قال: ويحك ذريني فإنك جاهلة بما لقيت اليوم، قال: فثوب مرارا، والمرأة كل ذلك تبعثه ويقول لها ذلك ذريني حتى انتصف الليل، فقام فصلى، فلم يذكر كم صلى الإمام، ولا عرفه، فأعاد المكتوبة أربعا وعشرين مرة، ثم أخذ مضجعه، فرأى فيما يرى النائم أنه ينطلق من منزله إلى كربجة (1)، فوجد في الطريق أربع دنانير، ومعه كيس فيه ثلاثة أبواب فطرح الدنانير في باب من تلك الأبواب، قال: فلبثت غير كثير فإذا الدنانير ينشدها من يذكر الدنانير الأربعة ـ رحمك الله ـ مرارا، قال: فجعلت أتغامس عنه، ثم دعوته بعد ذلك، فقلت: يا صاحب الدنانير هذه دنانيرك، فذهبت لأفتح الكيس لأعطيه الدنانير فإذا الكيس قد تخرق وذهبت الدنانير!
فقلت: يا صاحب الدنانير إن دنانيرك قد ذهبت فخذ شراءها، فضبط بناحية ثوبي، وقال: لا أقبل إلا دنانيري بأعيانها، فاستيقظت، وهو آخذ بناحية ثوبي، فغدوت على ابن سيرين فقصصت عليه، فقال: أما إنك نمت عن صلاة العشاء الآخرة، فاستغفر الله، ولا تعد لمثلها.
قال سليمان، وأخبرني غالب القطان قال: ثم ابتليت بمثلها، فاتكأت على ذلك المسجد فإذن المؤذن، وثوب كل ذلك تبعثني المرأة الصلاة ـ يرحمك الله ـ فنمت إلى الحين الذي نمت فيه المرة الأولى، فقمت فصليت نحو ما صليت المرة الأولى، ثم أخذت مضجعي، فرأيت أني وأصحابا لي على بغال شهب هماليج، وأناس قدامنا على الإبل نيام في المحامل على فرش وطئة تحدوا بهم الحداة، وهم على رسلهم، وأنا وأصحابي مجتهدون على أن نلحقهم حتى بلغ جهدنا، فنادينا: يا معاشر الحداة مالنا على البغال الهماليج، وأنتم على الإبل على رسلكم، ونحن نجتهد فلا ندرككم؟!
فأجابتنا الحداة: إنا قوم صلينا في جمع صلاة العشاء الآخرة، وأنتم صليتم فرادى فلن تلحقونا، قال فغدوت على محمد بن سيرين، فحدثته، فقال: هو كما رأيته ...
حدثنا عبدالله ابن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن عمران حدثني عمي أيوب بن عمران قال حدثت عن غالب القطان قال: فاتتني صلاة العشاء في جماعة، فصليت خمسا وعشرين مرة أبتغي به الفضل، ثم نمت فرأيت في منامي كأني على فرس جواد أركض، وهؤلاء في المحامل لا ألحقهم، فقيل: إنهم صلوا في جماعة وصليت وحدك.اهـ
[وللخبر روايات أخر تجدها في ترجمته من الحلية.]
السادسة:
في كتاب «جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز» ص79:
في يوم من الأيام كان سماحة الشيخ على موعد بعد صلاة الفجر، فلم يصل في المسجد، وذهبنا بعد الصلاة إلى منزل سماحته، وانتظرناه، وقلقنا عليه، فخرج علينا، وسألنا عن الوقت، فأخبرناه بأن الجماعة قد صلوا.
وكان ـ رحمه الله ـ متعبا في الليل، ولم ينم إلا في ساعة متأخرة، وبعد أن قام للتهجد اضطجع فأخذه النوم، ولم يكن حوله أحد يوقظه، أو يضبط له ساعة المنبه، وبعد أن علم أن الناس قد صلوا صلى، وقال للأخوين الزميلين الشيخ عبد الرحمن العتيق، والأخ حمد بن محمد الناصر: هذه أول مرة تفوتني صلاة الفجر!
قلت: رحمهم الله، هكذا كانوا في الاجتهاد في العبادة، ومحاسبة النفس عند أدنى خلل، فزكت نفوسهم، وعلت هممهم، وبقي ذكرهم لمن بعدهم ..
فياليت شعري: من تفوته الصلاة هذه الأيام هل يحس بشيء من ذلك؟!
من طلبة العلم، والصالحين من يتخلف عن صلاة الفجر مرارا، وتكرارا، مع أنه لم يحيي الليل، ولا عشره، بل ولا عشر عشره!
ثم لا يتألم؟ و لا يحزن؟ وكأن شيئا لم يكن؟!
بل إنك ترى بعضهم قد أصبحت عنده عادة مستمرة يغيب مرة، ويحضر مرات، وإن حضر فمن آخر الناس حتى أصبح محل استغراب، وريبة من العوام!
وهذا جانب آخر من جوانب هذه المشكلة، فهذا الفاضل عندهم لا يوثق بكلامه، ولا علمه، ولا نصحه من هؤلاء العامة، وقد حدثت أن رجلا من العامة كان يعالج أبناءه على صلاة الفجر، فأغلظ على أحدهم مرة في إيقاظه، فقال الولد: [بالعامي] (لا تشغلني رح انصح المطوع أول!) وكان إمامهم كثير التخلف عن صلاة الفجر.
ولندخل في بعض الوسائل المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر:
¥