تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْت أَسْمَعُ أَبِي كَثِيرًا يُسْأَلُ عَنْ الْمَسَائِلِ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي وَيَقِفُ إذَا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ فِيهَا اخْتِلَافٌ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُ: سَلْ غَيْرِي، فَإِنْ قِيلَ لَهُ: مَنْ نَسْأَلُ؟ قَالَ: سَلُوا الْعُلَمَاءَ، وَلَا يَكَادُ يُسَمِّي رَجُلًا بِعَيْنِهِ.

1/ 34:

وَقَالَ سَحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ: أَجْسَرُ النَّاسِ عَلَى الْفُتْيَا أَقَلُّهُمْ عِلْمًا، يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الْبَابُ الْوَاحِدُ مِنْ الْعِلْمِ يَظُنُّ أَنَّ الْحَقَّ كُلَّهُ فِيهِ.

قُلْت: الْجُرْأَةُ عَلَى الْفُتْيَا تَكُونُ مِنْ قِلَّةِ الْعِلْمِ وَمِنْ غَزَارَتِهِ وَسِعَتِهِ، فَإِذَا قَلَّ عِلْمُهُ أَفْتَى عَنْ كُلِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَإِذَا اتَّسَعَ عِلْمُهُ اتَّسَعَتْ فُتْيَاهُ، وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَوْسَعِ الصَّحَابَةِ فُتْيَا.

1/ 35:

مُرَادُ عَامَّةِ السَّلَفِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: رَفْعُ الْحُكْمِ بِجُمْلَتِهِ تَارَةً وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَرَفْعُ دَلَالَةِ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَالظَّاهِرِ وَغَيْرِهَا تَارَةً، إمَّا بِتَخْصِيصٍ أَوْ تَقْيِيدٍ أَوْ حَمْلِ مُطْلَقٍ عَلَى مُقَيَّدٍ وَتَفْسِيرِهِ وَتَبْيِينِهِ حَتَّى إنَّهُمْ يُسَمُّونَ الِاسْتِثْنَاءَ وَالشَّرْطَ وَالصِّفَةَ نَسْخًا لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ رَفْعَ دَلَالَةِ الظَّاهِرِ وَبَيَانَ الْمُرَادِ، فَالنَّسْخُ عِنْدَهُمْ وَفِي لِسَانِهِمْ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، بَلْ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَهُمْ رَأَى مِنْ ذَلِكَ فِيهِ مَا لَا يُحْصَى، وَزَالَ عَنْهُ بِهِ إشْكَالَاتٌ أَوْجَبَهَا حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ الْمُتَأَخِّرِ.

1/ 36:

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ " جَامِعِ فَضْلِ الْعِلْمِ ": حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْمِصِّيصِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ وَاقِدٍ ثنا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ حُسَيْنٍ إمَامُنَا قَالَ: رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْت: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك يَا أَبَا حَنِيفَةَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، فَقُلْت لَهُ: بِالْعِلْمِ؟ فَقَالَ: مَا أَضَرَّ الْفُتْيَا عَلَى أَهْلِهَا، فَقُلْت: فَبِمَ؟ قَالَ: بِقَوْلِ النَّاسِ فِيَّ مَا لَمْ يَعْلَمْ اللَّهُ أَنَّهُ مِنِّي.

ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[15 Jul 2006, 05:36 م]ـ

1/ 36: [أيهما أشد خطرا المفتي أو القاضي]

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْحَدَّادُ: الْقَاضِي أَيْسَرُ مَأْثَمًا وَأَقْرَبُ إلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْفَقِيهِ - يُرِيدُ الْمُفْتِي؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ مِنْ شَأْنِهِ إصْدَارُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ سَاعَتِهِ بِمَا حَصَرَهُ مِنْ الْقَوْلِ، وَالْقَاضِي شَأْنُهُ الْأَنَاةُ وَالتَّثَبُّتُ وَمَنْ تَأَنَّى وَتَثَبَّتَ تَهَيَّأَ لَهُ مِنْ الصَّوَابِ مَا لَا يَتَهَيَّأُ لِصَاحِبِ الْبَدِيهَةِ، انْتَهَى.

وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُفْتِي أَقْرَبُ إلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْزِمُ بِفَتْوَاهُ، وَإِنَّمَا يُخْبِرُ بِهَا مِنْ اسْتَفْتَاهُ، فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ قَوْلَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُلْزِمُ بِقَوْلِهِ، فَيَشْتَرِك هُوَ وَالْمُفْتِي فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْحُكْمِ، وَيَتَمَيَّزُ الْقَاضِي بِالْإِلْزَامِ وَالْقَضَاءِ؛ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ خَطَرُهُ أَشَدُّ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْقَاضِي مِنْ الْوَعِيدِ وَالتَّخْوِيفِ مَا لَمْ يَأْتِ نَظِيرُهُ فِي الْمُفْتِي، [ذكر بعض النصوص ... ] فَكُلُّ خَطَرٍ عَلَى الْمُفْتِي فَهُوَ عَلَى الْقَاضِي، وَعَلَيْهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخَطَرِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَكِنْ خَطَرُ الْمُفْتِي أَعْظَمُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى؛ فَإِنَّ فَتْوَاهُ شَرِيعَةٌ عَامَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفْتِي وَغَيْرِهِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير