تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ وَفُشُوُّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعُ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَكِتْمَانُ شَهَادَةِ الْحَقِّ}.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ: ثنا أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَالًا، فَجَحَدَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَشَهِدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: لَا وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا شَهِدَ عَلَيَّ بِحَقٍّ، وَمَا عَلِمْتُهُ إلَّا رَجُلًا صَالِحًا، غَيْرَ هَذِهِ الزَّلَّةِ فَإِنَّهُ فَعَلَ هَذَا لِحِقْدٍ كَانَ فِي قَلْبِهِ عَلَيَّ، وَكَانَ مُحَارِبٌ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الرَّجُلِ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ تَشِيبُ فِيهِ الْوَلَدَانِ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَتَضْرِبُ الطَّيْرُ بِأَذْنَابِهَا وَتَضَعُ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا ذَنْبَ عَلَيْهَا وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا يُقَارُّ قَدَمَاهُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يُقْذَفَ بِهِ فِي النَّارِ فَإِنْ كُنْت شَهِدْت بِحَقٍّ فَاتَّقِ اللَّهَ وَأَقِمْ عَلَى شَهَادَتِك، وَإِنْ كُنْت شَهِدْت بِبَاطِلٍ فَاتَّقِ اللَّهَ وَغَطَّ رَأْسَك وَاخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ: كُنْت فِي مَجْلِسِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَهُوَ فِي قَضَائِهِ، حَتَّى تَقَدَّمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ حَقًّا، فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ: أَلَك بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، اُدْعُ فُلَانًا، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَاَللَّهِ إنْ شَهِدَ عَلَيَّ لَيَشْهَدَنَّ بِزُورٍ، وَلَئِنْ سَأَلْتَنِي عَنْهُ لَأُزَكِّيَنَّهُ؛ فَلَمَّا جَاءَ الشَّاهِدُ قَالَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ الطَّيْرَ لِتَضْرِبَ بِمَنَاقِيرِهَا، وَتَقْذِفَ مَا فِي حَوَاصِلِهَا، وَتُحَرِّكَ أَذْنَابَهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا تُقَارُّ قَدَمَاهُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يُقْذَفَ بِهِ فِي النَّارِ ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: كُنْت أُشْهِدْت عَلَى شَهَادَةٍ وَقَدْ نَسِيتُهَا، أَرْجِعُ فَأَتَذَكَّرُهَا، فَانْصَرَفَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.

وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ ثنا زَافِرٌ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ: كُنْت عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ، فَشَهِدَ عَلَى أَحَدِهِمَا شَاهِدٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ شَهِدَ عَلَيَّ بِزُورٍ، وَلَئِنْ سُئِلَتْ عَنْهُ لَيُزَكَّيَنَّ، وَكَانَ مُحَارِبٌ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا شَاهِدِ الزُّورِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى يُوجِبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ. وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ إلَى مُحَارِبٍ.

فَصْلٌ:

وَأَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ وَالْفُتْيَا وَالرِّوَايَةِ: الْكَذِبُ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ فِي نَفْسِ آلَةِ الشَّهَادَةِ وَالْفُتْيَا وَالرِّوَايَةِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَشَهَادَةِ الْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ؛ فَإِنَّ اللِّسَانَ الْكَذُوبَ بِمَنْزِلَةِ الْعُضْوِ الَّذِي قَدْ تَعَطَّلَ نَفْعُهُ، بَلْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، فَشَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ لِسَانٌ كَذُوبٌ؛ وَلِهَذَا يَجْعَلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شِعَارَ الْكَاذِبِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِعَارَ الْكَاذِبِ عَلَى رَسُولِهِ سَوَادَ وُجُوهِهِمْ، وَالْكَذِبُ لَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي سَوَادِ الْوَجْهِ، وَيَكْسُوهُ بُرْقُعًا مِنْ الْمَقْتِ يَرَاهُ كُلُّ صَادِقٍ؛ فَسِيَّمَا الْكَاذِبُ فِي وَجْهِهِ يُنَادَى عَلَيْهِ لِمَنْ لَهُ عَيْنَانِ، وَالصَّادِقُ يَرْزُقُهُ اللَّهُ مَهَابَةً وَجَلَالَةً، فَمَنْ رَآهُ هَابَهُ وَأَحَبَّهُ، وَالْكَاذِبُ يَرْزُقُهُ إهَانَةً وَمَقْتًا، فَمَنْ رَآهُ مَقَتَهُ وَاحْتَقَرَهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير