طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك).
ففي هذا المشهد يشهد توفيق الله وخذلانه، كما يشهد ربوبيته وخلقه، فيسأله توفيقه مسألة المضطر، ويعوذ به من خذلانه عياذ الملهوف، ويلقي نفسه بين يديه طريحا ببابه، مستسلما له، ناكس الرأس بين يديه، خاضعا ذليلا مستكينا لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا، ولا حياةً، ولا نشورا.
ـ[الطبيب]ــــــــ[06 Mar 2007, 03:54 م]ـ
مشهد التوحيد
قال ابن القيم رحمه الله في المدارج:
وهو أن يشهد انفراد الرب تبارك وتعالى بالخلق والحكم، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه وأن الخلق مقهورون تحت قبضته، وأنه ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابعه إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه، فالقلوب بيده وهو مقلبها ومصرفها كيف شاء وكيف أراد، وأنه هو الذي آتى نفوس المؤمنين تقواها، وهو الذي هداها وزكاها، وألهم نفوس الفجار فجورها وأشقاها، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته، هذا فضله وعطاؤه وما فضل الكريم بممنون، وهذا عدله وقضاؤه ?لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ?.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الإيمان بالقدر نظام التوحيد فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده، ومن آمن بالقدر صدق إيمانه توحيده.
وفي هذه المشهد يتحقق للعبد مقام إياك نعبد وإياك نستعين علما وحالا، فيثبت قدم العبد في توحيد الربوبية ثم يرقى منه صاعدا إلى توحيد الإلهية، فإنه إذا تيقن أن الضر والنفع والعطاء والمنع والهدى والضلال والسعادة والشقاء كل ذلك بيد الله لا بيد غيره، وأنه الذي يقلب القلوب ويصرفها كيف يشاء، وأنه لا موفق إلا من وفقه وأعانه ولا مخذول إلا من خذله وأهانه وتخلى عنه، وأن أصح القلوب وأسلمها وأقومها وأرقها وأصفاها وأشدها وألينها من اتخذه وحده إلها ومعبودا فكان أحب إليه من كل ما سواه وأخوف عنده من كل ما سواه وأرجى له من كل ما سواه، فتتقدم محبته في قلبه جميع المحاب فتنساق المحاب تبعا لها، كما ينساق الجيش تبعا للسلطان، ويتقدم خوفه في قلبه جميع المخوفات فتنساق المخاوف كلها تبعا لخوفه، ويتقدم رجاؤه في قلبه جميع الرجاء فينساق كل رجاء تبعا لرجائه، فهذا علامة توحيد الإلهية في هذا القلب، والباب الذي دخل إليه منه توحيد الربوبية أي باب توحيدالإلهية هو توحيدالربوبية.
ـ[الطبيب]ــــــــ[07 Mar 2007, 10:56 ص]ـ
زيادة الإيمان بعد الذنوب للمؤمن
قال ابن القيم رحمه الله في المدارج:
والعبد قد يصيبه ألم حسي فيطرحه عن قلبه ويقطع التفاته عنه ويجعل إقباله على غيره لئلا يشعر به جملة، فلو زال عنه ذلك الالتفات لصاح من شدة الألم!
فما الظن بعذاب القلوب وآلامها!
وقد جعل الله سبحانه للحسنات والطاعات آثارا محبوبة لذيذة طيبة لذتها فوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة لا نسبة لها إليها، وجعل للسيئات والمعاصي آلاما وآثارا مكروهة وحزازات تربي على لذة تناولها بأضعاف مضاعفة، قال ابن عباس: (إن للحسنة نورا في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق؛ وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق).
وهذا يعرفه صاحب البصيرة ويشهده من نفسه ومن غيره، فما حصل للعبد حال مكروهة قط إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر قال تعالى: ? وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ? [الشورى: 30]، وقال لخيار خلقه وأصحاب نبيه: ? أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ? [آل عمران: 165]، وقال: ? ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ? [النساء: 79].
والمراد بالحسنة والسيئة هنا: النعم والمصائب التي تصيب العبد من الله، ولهذا قال: ? ما أصابك ? ولم يقل: ? ما أصبت ?؛ فكل نقص وبلاء وشر في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب ومخالفة أوامر الرب، فليس في العالم شر قط إلا الذنوب وموجباتها.
¥