[التعقيبات علي شرح ابن هشام لشذور الذهب]
ـ[أبو قتادة وليد بن حسني الاثري]ــــــــ[18 - 11 - 2008, 01:07 ص]ـ
الجزء الثاني
التعقيبات علي شذور الذهب في معرفة كلام العرب
التعقيب الأول
قال ابن هشام الأنصاري – رحمه الله تعالي – في معني الكلام لغة: ((والثاني: ما في النفس مما يعبر عنه باللفظ وذلك كأن يقوم بنفسك معني قام زيد أو قعد عمرو ونحو ذلك فيسمي ذلك الذي تخيلته كلاماً قال الأخطل:
لا يعجبنك من خطيب خطبة حتي يكون مع الكلام أصيلا
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان علي الكلام دليلا
قلت: كلام ابن هشام مردود لأمرين:
أولهما: جعله ما في النفس مما يعبر عنه باللفظ كلاماً
وذلك مردود بإجماع أهل اللغة من أهل السنة والبدعة علي فساده وخلافه وذلك قبل إتيان ابن كلاب ببدعة الكلام النفسي المردودة لفسادها عقلاً ونقلاً ولإطباق اللغويين علي أن حد الكلام هو النطق المفهم أو ما كان بمعناه كما جزم ابن فارس في قاموسه به.
وغاية ما يستدل به أهل البدع علي ذلك المذهب أمور:
أحدها: قوله تعالي: ((ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول))} المجادلة: 8 {ونحوها.
الثاني: قوله تعالي: ((فيصبحوا علي ما أسروا في أنفسهم)) ونحوه.
الثالث: قول عمر – رضي الله عنه -: ((فزورت في نفسي كلاماً .. )) اهـ
الرابع: قول الأخطل السابق في بيتيه.
وهذا أشهر مستدل أهل البدعة علي صحة مذهبهم في الكلام النفسي وإليكم الرد الموجز عليه ما خلا بيت الأخطل فلنا معه سجال آت بعد:
قال ابن تيمية – رحمه الله تعالي-: ((وأيضاً ففي الصحيحين عن النبي – صلي الله عليه وسلم- أنه قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به) فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم ففرق بين حديث النفس وبين الكلام وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتي تتكلم به والمراد حتي ينطق به اللسان باتفاق العلماء فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة لأن الشارع كما قرر إنما يخاطبنا بلغة العرب ولم يكن في مسمي الكلام نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم لا من أهل السنة ولا من أهل البدعة بل أول من عرف في الإسلام إنه جعل مسمي الكلام المعني فقط هو عبد الله بن سعيد بن كلاب وهو متأخر في زمن محنة أحمد بن حنبل وقد أنكر عليه علماء السنة وعلماء البدعة.
فإن قالوا: قد قال الله تعالي: (ويقولون في أنفسهم) وقال: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية) ونحو ذلك.
قيل: إن كان المراد أنهم قالوه بألسنتهم سراً فلا حجة فيه وإن قدر أنه أريد به أنهم قالوه في قلوبهم فهذا قول مقيد بالنفس مثل قوله (عما حدثت به نفسها) فلفظ الحديث قد يقيد بما في النفس بخلاف لفظ الكلام فإنه لم يعرف أنه أريد به ما في النفس فقط.
وأما قوله: (وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور) ما في النفس لا يتصور الجهر به وإنما يجهر بما في اللسان.
وقوله تعالي: (ءايتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً) وقد ذكر ذلك في قوله (ثلاث ليال سوياً) وهناك لم يستثن شيئاً والقصة واحدة وهذا يدل علي أن الاستثناء منقطع والمعني: ألا تكلم الناس لكن ترمز لهم رمزاً.
وقول عمر – رضي الله عنه -: زورت في نفسي مقالة أردت أن أقولها حجة عليهم قال أبو عبيد: التزوير: إصلاح الكلام وتهيئته .... وقال غيره: زورت في نفسي مقالة: أي هيئتها لأقولها فلفظها يدل علي أنه قدر في نفسه ما يريد أن يقوله ولم يقله فعلم أنه لا يكون قولاً إلا إذا قيل باللسان وقبل ذلك لا لم يكن قولاً.)) اهـ
وعيه فثمت فرق بين حد الحديث وحد الكلام والقول فالأول منه ما يكون بالنفس وهو حديث علي الحقيقة أما الكلام والقول فليس حقيقتهما إلا بالنطق.
ومن ثم فحديث النفس والرمز والإشارة والخط ولسان الحال كلام مجازي أي مما جوز العرب اعتباره كلاماً علي خلاف الأصل.
ثانيهما: استدلاله ببيتي الأخطل:
بيتا الأخطل هما:
فلا يعجبنك من خطيب خطبة حتي يكون مع الكلام أصيلا
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان علي الفؤاد دليلا
وفي روايات (أثير) بدلاً من (خطيب) وهذا خلاف المشهور وكذلك (البيان) بدلاً من (الكلام) في صدر الثاني وعليه لا إشكال وهو المحكي عن القدامي من أهل اللغة.
¥