وأما حذف جملة، أو أكثر، ومجئ التنوين عوضًا عنها فإنه يكثر بعد كلمة "إذ" المضافة، المسبوقة بكلمة "حين" أو "ساعة" وما أشبههما من ظروف الزمان التى تضاف إلى: "إذْ". ويتضح من الأمثلة الآتية:
جاء الصديق، وكنت (حين إذْ جاء الصديق) غائبًا - جاء الصديق وكنت "حينئذ" غائبًا.
أكرمتنى؛ فأثنيت عليك (حين إذ أكرمتنى) - أكرمتنى فأثنيت عليك "حينئذ".
سابقت، وكان زملاؤك (ساعة إذ سابقتَ) يرجون لك الفوز - سابقت وكان زملاؤك "ساعتئذٍ" يرجون لك الفوز.
مشيتَ فى الحديقة، وقطفتَ الزهر. وكنتُ (ساعة إذ مشيتَ) وقطفتَ قريبًا منك، أو: وكنت "ساعتئذٍ" قريبًا منك.
سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره، وكنتَ معه وقت "إذ سافر"، وجلس يقرأ ويتكلم.
سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره. وكنت معه "وقتئذ" ...
ومنه قوله تعالى: {إذا زُلزلت الأرضُ زِلزالها * وأخرجت الأرضُ أثقالها * وقال الإنسان مَالَها * يومئذٍ تُحدّث أخبارَها}.
فقد حذفت - فى الأمثلة السالفة جملة أو أكثر بعد: (إذْ) مباشرة، وجاء التنوين عوضًا عن المحذوف. ولما كانت الذال ساكنة، وكذلك التنوين - حركْنا الذال بالكسر؛ ليمكن النطق والتغلب على اجتماع الساكنين، ووصلنا كلمة: "إذ" فى الكتابة بما قبلها، عملا بقواعد رسم الحروف (الإملاء).
مما سبق نعلم أن تنوين العِوض هو: ما يجئ بدلا من حرف أصلى حذف، أو من كلمة، أو جملة، أو أكثر؛ ليحل محل المحذوف، ويغنى عنه.
ومما يجب التنبه له أن هذا التنوين قسم مستقل، أثره الخاص هو: "التعويض" فلا يدل بنفسه على إعراب ولا بناء، ولهذا يدخل فى آخر الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة: أى: يدخل فى آخر الأسماء المعربة والمبنية.
* * *
النوع الرابع: تنوين المقابلة:
إن التنوين حين يلحق آخر الاسم يكون دليلا على أن ذلك الاسم قد تمّ، واستكمل حروفه، كما فى نحو: محمدٌ مسافرٌ، أمينٌ مهذبٌ، حليمٌ عالمٌ.
لكن أين يذهب التنوين حين تجمع تلك الكلمات جمع مذكر سالمًا فنقول: المحمدون مسافرون، الأمينون مهذبون، الحليمون عالمون؟ لمَ لمْ يبق فى الجمع ليدل على ما كان يدل عليه فى المفرد؟
يرى النحاة أنه قد اختفى، وحلت محله النون التى فى آخر الجمع. ولما كانت غير موجودة إلا فى جمع المذكر السالم، دون الجمع المختوم بالأف والتاء الزائدتين. (جمع المؤنث السالم وملحقاته) - وكلاهما جمع سلامة - كان من الإنصاف أن يزاد التنوين فى الثانى، ليكون مقابلا للنون فى جمع المذكر السالم، ويتم التعادل بين الاثنين من هذه الناحية. ويسمونه لذلك، تنوين المقابلة؛ ويقولون فى تعريفه:
إنه اللاحق لجمع المؤنث السالم؛ ليكون فى مقابلة النون فى جمع المذكر السالم.
إلى هنا انتهى الكلام على أنواع التنوين الخاصة بالاسم وحده.
وهناك أنواع أخرى ليست من علاماته؛ لأنها مشتركة بينه وبين الفعل، والحرف؛ فلا داعى لإثباتها هنا. ولا سيما إذا عرفنا أنها تكاد تكون مقصورة على الشعر دون النثر. فموضوعها المناسب لها هو: "علم الشعر" المسمى: "علم العَروض والقوافى".
زيادة وتفصيل:
(ا) التنوين ساكن، إلا إن جاء بعده حرف ساكن أيضًا؛ فيتحرك التنوين بالكسر، وقد يجوز تحريكه بالضم، مثل: "وقف خطيبٌ استمعتُ خطبته (خطيبُنُِ استمعتُ خطبته)، وصاح قائلا افهموا، (قائلنُِ افهموا). فقد وقعت السين ساكنة، بعد التنوين، وكذلك الفاء؛ فتحركت التنوين بالكسر أو بالضم، وكلاهما جائز، والكسر أكثر إلا حين يكون بعد التنوين حرف ساكن بعده حرف مضموم لزومًا؛ مثل: "أقبل عالمٌ اخرُجْ لاستقباله" - فالخاء الساكنة بعد التنوين وليها حرف مضموم حتما؛ فيكون الأحسن تحريك التنوين بالضم، فتقول: "عالمنُ اخرُج"؛ لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم فى النطق. ومثله: "هذه ورقةٌ اكتُبْ فيها". فالكاف الساكنة بعد التنوين جاء بعدها التاء المضمومة، فكان من الأوفق تحريك التنوين بالضم؛ ليكون الانتقال من الضم إلى الضم، وهو أخف فى النطق من الانتقال من الكسر إلى الضمّ. تقول: "هذه ورقتنُ اكتُب فيها".
¥