[تسلية أهل المصائب (2)]
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[27 - 06 - 2009, 11:14 م]ـ
حكى ابن أبي الدنيا عن شريح أنه قال: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات و أشكره، إذ لم تكن أعظم مما هي، و إذ رزقني الصبر عليها، و إذ وفقني الاسترجاع لما أرجوه فيه من الثواب، وإذ لم يجعلها في ديني.
والمصيبة في الدين من أعظم المصائب، مصائب الدنيا و الآخرة، و هي نهاية الخسران الذي لا ربح معه،و الحرمان الذي لا طمع معه.
و المقصود أن المصائب تتفاوت، فأعظمها المصيبة في الدين ـ نعوذ بالله من ذلك ـ وهي أعظم من كل مصيبة يصاب بها الإنسان،. ثم بعد مصيبة الدين المصيبة في النفس، ثم في المال، أما المال فيخلفه الله تعالى و هو فداء الأنفس، و النفس فداء الدين، و الدين لا فداء له. قال تعالى: " ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ". و مما يسلي المصاب: أن يُوَطِّن نفسه على أن كل مصيبة تأتيه هي من عند الله، وأنها بقضائه و قدره، وأنه سبحانه و تعالى لم يُقَدِّرْها عليه لِيُهْلِكَه بها، و لا ليعذِّبَه، و إنما ابتلاه لِيَمْتَحِن صبرَه و رضاه، و شكواه إليه و ابتهاله و دعاءه، فإن وُفِّق لذلك كان أمر الله قدراً مقدوراً، و إن حُرِم ذلك كان ذلك خُسْراناً مبيناً.
قال بعض السلف: رأيت جمهور الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجاً يزيد عن الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت، و هل يَنْتَظِرُ الصحيحُ إلا السَّقَم، و الكبيرُ إلا الهَرَم، و الموجودُ سوى العَدَم؟!
قال الشاعر:
على ذا مضى الناس اجتماع و فرقة
و ميت و مولود و بشر وأحزان
وقال بعضهم:
طبعت على كدر و أنت تريدها
صفواً من الأقذاء و الأكدار
و ليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا و مصائبها، لأصاب العبد من أدواء الكبر و العجب والفرعنة و قسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً و آجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين، أن يتفقده في الأحيان، بأنواع من أدوية المصائب، تكون حِمْيَة له من هذه الأدواء، و حفظاً لصحة عبوديته، و استفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة، فسبحان من يرحم ببلائه، و يبتلي بنعمائه. كما قيل:
قد ينعم الله بالبلوى و إن عظمت
و يبتلي الله بعض القوم بالنعم
فالله سبحانه و تعالى، إذا أراد بعبده خيراً، سقاه دواءً من الابتلاء و الامتحان على قدر حاله، و يستفرغ منه الأدواء المهلكة، حتى إذا هَذَّبَه و نَقَّاه و صَفَّاه، أَهَّلَهُ لأشرف مراتب الدنيا و هي عبوديته، و رَقَّاه أرفعَ ثوابِ الآخرة و هو رؤيته.
و ليعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها، و هو في الحقيقة يزيد في مصيبته،
بل يعلم المصاب أن الجزع يشمت عدوه، و يسوء صديقه، و يغضب ربه، و يسر شيطانه، و يحبط أجره، و يضعف نفسه.
و إذا صبر و احتسب أخزى شيطانه، و أرضى ربه، و سر صديقه، و ساء عدوه، و حمل عن إخوانه و عزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات في الأمر الديني، قال النبي صلى الله عليه و سلم: " اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر ". فهذا هو الكمال الأعظم، لا لطم الخدود وشق الجيوب، و الدعاء بالويل و الثبور، و التسخط على المقدور.
قال بعض الحكماء: العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام.
و قال الأشعث بن قيس: إنك إن صبرت إيماناً و احتساباً، و إلا سَلَوْتَ كما تَسْلُو البهائم.
بل على المصاب أن يعلم أنَّ ما يعقبه الصبر و الاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه. وفي الترمذي مرفوعاً: " يَوَدُّ ناس لو أنَّ جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء ".
و في مسند الإمام أحمد والترمذي، من حديث محمود بن لبيد، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي الله فله الرضى، و من سخط فله السخط ".
فأنفع الأدوية للمصاب موافقة ربه و إلهه فيما أحبه و رضيه له، فمن ادعى محبة محبوب، ثم سخط ما يحبه، و أحب ما يسخطه، فقد شهد على نفسه بكذبه، وسخط عليه محبوبه.
قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن يُرْضَى به.
ـ[زينب هداية]ــــــــ[02 - 07 - 2009, 11:07 م]ـ
جزاك الله خيري الدّنيا و الآخرة
كلّ مؤمن في حاجة دائمة إلى من يذكّره
ـ[أنوار]ــــــــ[03 - 07 - 2009, 06:32 ص]ـ
جعل الله هذه التذكرة في موازين حسناتكم أخي الكريم ..
من عادة الإنسان أن يجزع ويألم لما يصيبه ..
ولا يصبره إلاأن يعلم أن الله معه ..
وفقتم لكل خير ..
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[07 - 07 - 2009, 12:30 ص]ـ
جزاك الله خيري الدّنيا و الآخرة
كلّ مؤمن في حاجة دائمة إلى من يذكّره
أهلا بك أختي مريم
مسرور أنا بمتابعتك واهتمامك
زادك الله يقينا ورضا وعفا عنك وعافاك
¥