تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تسلية أهل المصائب [4]]

ـ[أبوأيوب]ــــــــ[02 - 07 - 2009, 10:39 م]ـ

ما لا يُسَلِّي أهلَ المصائبِ ولا يُفَرِّجُ همومَهم (4)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، أما بعد:

فيظن بعض الناس أن هناك أمور تخفف من ألم المصيبة وتسلي عنها، مثل: لطم الخدود، وشق الجيوب، ونشر الشعور، والنياحة، ورفع الصوت عند المصيبة بالويل، وعلى العكس من ذلك، فإن هذه الأمور نهى عنها الشرع أشد النهي؛ لما فيها من التسخط على قضاء الله وقدره، والجزع، وهو ضد الصبر الواجب.

لذا رأيت أن المصاب بحاجة إلى أن يعلم الأمر الذي شرعه له ربه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فيتبعه، والأمر الذي نهاه عنه، فيجتنبه، فإن الله عز وجل الذي قدر البلاء على عباده لحكم عظيمة، لم يتركهم هملا، بل شرع لهم دينا قويما وحنيفيَّة سمحة، فرفع عن هذه الأمة الحَرج والمشقة والأغلال التي كانت على الأمم السابقة.

وإليكم هذه الأحاديث لنَعْلَم، ونعمل، ونُعَلِّم:

1." أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة. وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقَام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران، ودِرْع من جَرَب ". رواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري.

2. " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنايحة على الميت ". رواه مسلم من حديث أبي هريرة.

3. " ليس منا من لَطَم الخدودَ، وشَقَّ الجيوبَ، ودعا بدعوى الجاهلية ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن مسعود.

4.حديث أبي بردة بن أبي موسى قال: " وجع أبو موسى وجعا فغُشِيَ عليه، ورأسه في حَجْرِ امرأةٍ من أهله، فصاحت امرأةٌ من أهله، فلم يستطع أن يردَّ عليها شيئا، فلما أفاق قال: أنا بريءٌ ممن برئَ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصَّالِقَةِ، والحالِقَة، والشَّاقَة ".أخرجه البخاري، ومسلم.

قوله: الصالقة يعني التي ترفع صوتها عند المصيبة، و الحالقة: التي تحلق شعرها، و الشاقة التي تشق ثوبها.

5.حديث امرأة من المبايعات قالت: " كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه، وأن لا نَخْمِشَ وجهًا ولا ندعوَ وَيْلا، ولا نَشُقَّ جَيْبًا، وأن لا نَنْشُرَ شَعْرًا ". أخرجه أبوداود.

لكن هنا يرد سؤال:

هل دمع العين، وحزن القلب، والبكاء دون رفع الصوت من النياحة المنهي عنها؟

إليك هذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعل فيها ما يشفي ويكفي:

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أصيب أبي يوم أحد، فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، فجعلوا ينهوني، و رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: تبكين أو لا تبكين، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه "، متفق عليه.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عباده شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه، فوجده في غاشية، فقال: قد قضى؟ قالوا لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه و سلم، فلما رأى القوم بكاء رسول الله بكوا، فقال: ألا تسمعون! إن الله لا يعذب بدمع العين و لا بحزن القلب، و لكن يعذب بهذا ـ و أشار إلى لسانه ـ أو يرحم " رواه البخاري.

وعن أسامة بن زيد، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم، فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه، وتخبره أن صبياً أو ابناً لها في الموت، فقال الرسول: ارجع إليها فأخبرها أن لله عز و جل ما أخذ، و له ما أعطى، و كل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها لتصبر و لتحتسب، فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها. قال: فقام النبي صلى الله عليه و سلم، و قام معه سعد بن عبادة، و معاذ بن جبل، وأُبَيّ بن كعب، و زيد بن ثابت، و انطلقت معهم، فرفع إليه الصبي و نفسه تَقَعْقَعُ (تتحرك وتضطرب)، كأنها في شَنَّة (قِرْبَة)، ففاضت عيناه، فقال له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، و إنما يرحم الله من عباده الرحماء " رواه البخاري ومسلم.

و عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: شهدنا بنتاً لرسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ورسول الله صلى الله عليه و سلم جالس على القبر، قال: فرأيت عيناه تدمعان، قال:

فقال: هل منكم من رجل لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، قال: فانزل في قبرها " رواه البخاري.

وعن أنس رضي الله عنه أيضاً قال: قال: رسول الله صلى الله عليه و سلم: ولد لي غلام فسميته باسم أبي إبراهيم فذكر الحديث، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تذرفان، و في لفظ: فأخذه فوضعه في حجره، و قال: يا بني، لا أملك لك من الله شيئاً، فقال عبدالرحمن بن عوف وأنس: يا رسول الله. أتبكي و تنهى عن البكاء؟ فقال: يا بن عوف، إنها رحمة ومن لا يَرْحم لا يُرْحم، ثم أتبعها بأخرى، فقال: إن العين تدمع، و القلب يحزن، و لا نقول إلا ما يرضي ربنا، و إنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون " رواه البخاري ومسلم.

وعن أنس أيضاً ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة، فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، و إن عَيْنَيْ رسول الله صلى الله عليه و سلم لتذرفان، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إِمْرَة فَفُتِحَ له " رواه البخاري.

اللهم هوِّن علينا وعلى إخواننا وأخواتنا مصائب الدنيا.

ونسألك العفو والعافية والمعافاة لنا أجمعين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير