[عن الغنى والفقر]
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 07 - 2009, 08:29 ص]ـ
من كلام بعض أهل العلم:
وصف الغنى وصف ذاتي ثابت لله، عز وجل، على وجه الكمال.
ووصف الفقر وصف ذاتي ثابت للمخلوق على وجه الاضطرار.
فكمال العبد في كمال فقره إلى الرب، جل وعلا، بل لا يقع الفساد إلا من طغيان المخلوق بإرادة التشبع بوصف الغنى المطلق، وفي التنزيل: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)، فيطغى بجاهه أو ماله، مظهرا مظاهر الغنى، وهو لا ينفك عن فقر ذاتي إلى الأسباب، فيفتقر إلى ما يقيم صلبه من الغذاء، ويفتقر إلى الصاحبة ليرزق الولد، ويفتقر إلى اللباس ليواري سوأته ويقيه الحر والبرد، وفي التنزيل: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)، ويفتقر إلى النوم صيانة لبدنه وعقله من التلف .............. إلخ من صور الفقر، ولذلك كان التشبه بصفات الجلال الإلهية من عظمة وكبرياء محظ ذم في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ).
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "العبودية":
"حقيقة دين الإسلام الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه هو أن يستسلم العبد لله لا لغيره فالمستسلم له ولغيره مشرك والممتنع عن الاستسلام له مستكبر وقد ثبت في الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم: أن الجنة لا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من كبر كما أن النار لا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان فجعل الكبر مقابلا للإيمان فإن الكبر ينافي حقيقة العبودية كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته. فالعظمة والكبرياء من خصائص الربوبية والكبرياء أعلى من العظمة ولهذا جعلها بمنزلة الرداء كما جعل العظمة بمنزلة الإزار". اهـ بتصرف.
فضلا عن افتقار قلبه إلى المعبود الذي يؤلهه، فالتأله فيه فطرة، وحاجته إلى رب يعبده ويتذلل إليه أعظم من حاجته إلى المطعوم والمشروب والمنكوح ........... إلخ.
يقول ابن القيم، رحمه الله، في "طريق الهجرتين":
"وفى القلب فاقة عظيمة وضرورة تامة وحاجة شديدة لا يسدها إِلا فوزه بحصول الغني الحميد الذي إِن حصل للعبد حصل له كل شيء، وإِن فاته فاته كل شيء. فكما أَنه سبحانه الغني على الحقيقة ولا غني سواه، فالغني به هو الغني في الحقيقة ولا غنى بغيره أَلبتة، فمن لم يستغن به عما سواه تقطعت نفسه على السوى حسرات، ومن استغنى به زالت عنه كل حسرة وحضره كل سرور وفرح، والله المستعان". اهـ
ولذلك كانت حاجة البشر إلى الرسل أعظم حاجة، فالنبوات هي غذاء تلك القلوب إذ لا يشبع نهمتها إلا معلوم ديني وعمل تكليفي، فإن لم يتأله العبد إلى الرب الحق، جل وعلا، تأله إلى غيره لا محالة.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "العبودية":
"وكل من استكبر عن عبادة الله لا بد أن يعبد غيره فإن الإنسان حساس يتحرك بالإرادة وقد ثبت فى الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أصدق الأسماء: حارث وهمام فالحارث الكاسب الفاعل والهمام فعال من الهم والهم أول الإرادة فالإنسان له إرادة دائما وكل إرادة فلا بد لها من مراد تنتهي إليه فلا بد لكل عبد من مراد محبوب هو منتهى حبه وإرادته فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه وإرادته بل استكبر عن ذلك فلا بد أن يكون له مراد محبوب يستعبده غير الله فيكون عبدا لذلك المراد المحبوب إما المال وإما الجاه وإما الصور وإما ما يتخذه إلها من دون الله كالشمس والقمر والكواكب والأوثان وقبور الأنبياء والصالحين أو من الملائكة والأنبياء الذين يتخذهم أربابا أو غير ذلك مما عبد من دون الله". اهـ بتصرف.
¥