تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[فاطمة البندلية .. !]

ـ[كرم مبارك]ــــــــ[29 - 06 - 2009, 10:41 م]ـ

توفيت، أمس، أقدم مطوعة في الدولة، المواطنة الإماراتية المعمرة فاطمة بنت حسن البندلية عن عمر ناهز الـ120 عاما وفقا لمسنين حفظتهم القرآن الكريم خلال سنوات طفولتهم

وتلقت أجيال عدة تعليمها الديني على يد المطوعة فاطمة في عريش أقامته قرب المزرعة التي امتلكتها في دبا الفجيرة، أو في منزلها في منطقة صمبريد قبل انتقالها للإقامة في رأس الخيمة،.

وقال أبوغيث (55 سنة) إن المطوعة فاطمة التي حفظ القرآن الكريم على يديها قبل التحاقه بالتعليم النظامي كانت تعالج المرضى بالقرآن، وأنها عاشت حياتها دون أن تعرف المرض أو المستشفيات، كما أنها كانت تصوم الإثنين والخميس حتى آخر أيامها.

هذا الخبر كان في زاوية صغيرة في صفحة داخلية في إحدى الصحف المحلية

ولربما كان مقصود الصحيفة في المقام الأول أن تبرز مسألة " التعمير " أكثر من إبراز مسألة عمل هذه المرأة وإبراز مساهمتها في تحفيظ عدد لا بأس به من الأطفال في عصرها

رحمك الله يا أيتها الفاضلة فاطمة بنت حسن وأسكنك فسيح جناته

كان الواجب أن يبرز هذا الخبر في الصفحات الأولى من الصحف والأخبار العاجلة في القنوات المحلية فالمصاب جلل، فعظيمة من عظماء الأمة قد ماتت

وحق لنا جميعاً أن نفتخر بك، وأن تكون سيرتك ومراحل حياتك وعملك محور حديث يومي في جميع وسائل إعلامنا كي يستفيد المعلمون والأجيال من تجربتك ومعرفة ما قمت به من جهد عظيم في هذا المجتمع في زمن شح فيه حتى قوت اليوم.

ولكن اعذريهم - رحمك الله - فقنواتنا وصحفنا مشغولة هذه الأيام في مطاردة أخبار وفاة المطرب مايكل جاكسون، وعرض أهم أعماله الغنائية والاستعراضية وانجازاته الرقصية!!

وإن لم تكن مشغولة بهذا فهي مشغولة بأخبار الراقصات و وأخبار الموضة وملكات الجمال تعرض مفاتنهن وتستلهم من صدورهن وسيقانهن العارية ملحمة تاريخية وأدبية وعلمية تربي فيها أجيالنا القادمة

نعم لقد أصبحت أخبار الفساق من المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات هي التي تتصدر هذه القنوات الإعلامية لأنها هي أيضاً جل اهتمام رجال ونساء وشباب هذه الأمة إلا من رحم الله

رحمك الله يا أخت الإسلام

فقد كانت مهنتك عظيمة وهي مهنة المعلم، مهنة الرسل والأنبياء، هذه المهنة التي فقدت بريقها و تقديرها في زماننا هذا، حتى أصبح المعلم يخجل أن يصرح بمهنته!

لقد أصبح المعلم مجال للسخرية والاستهزاء، والتحقير

وما يعظم من المعلم ويكبر وتنشر في الصفحات الأولى وتتصدر بها الأخبار والنشرات هي عثراته وكبواته، وغلطاته فقط ... !

نحن في زمن المباني لا المعاني في زمن العولمة والتحرر الأخلاقي

نعم بنينا المدارس النموذجية والصفوف الوسيعة، والساحات المظللة

ولكننا فقدنا الاحترام، وفقد الهيبة وفقدنا التقدير والتعظيم

أصبح المعلم يسب ويشتم ويضرب ويقدح

ويقذف بأقبح العبارات والشعارات

أصبح المعلم يا أختنا لا بواكي له

أصبح يصفق بيد واحدة

ويطير بجناح مكسورة

أما زمانكم فقد كان زمن المعاني لا المباني

فقد كانت المدرسة في جزء من بيتك العريشي أو تحت ظل شجرة معمرة

وكان طلابك من الفقر والحاجة مما لايستطعيون فيه دفع ثمن تعليمهم

ولكنك كنت تأبين أن تأخذي منهم حتى ربع درهم

كان تعليم القرآن ومباديء الدين الحنيف واللغة العربية والحساب هي جل اهتمامك واهتمام بنو جيلك

فلم تكن للغات الغربية ولا الشرقية مكانة في مجتمعك

وكان الرجل يرتقي ويقدم بقدر ما يحفظ من كتاب الله لا بقدر ما يرطن من لغات الغد

أنا واثق أن زمانك كان أفضل بكثير من زماننا في تقدير المعلمين واحترامهم مع إن زمانك أيضاً لا يرقى إلى تلك الأزمنة القديمة التي كان ابن الحاكم يرفع نعلي المعلم ليضعهما أمامه ليلبسهما في عزة وكبرياء

قال أبو معاوية الضرير:

استدعاني الرشيد إليه ليسمع مني الحديث، فما ذكرت عنده حديثا إلا قال: صلى الله وسلم على سيّدي، وإذا سمع فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى، وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يديّ، فصب الماء علىّ وأنا لا أراه، ثم قال يا أبا معاوية: أتدري من يصب عليك الماء؟

قلت: لا.

قال: يصب عليك أميرُ المؤمنين.

قال: أبو معاوية فدعوت له.

فقال: إنما أردت تعظيم العلم

وانظر إلى تسابق الأمين والمأمون على نعال معلمهما الكسائي

أيهم يأتيه بها فاتفقا على أن يأخذ كل واحدٍ منهما واحدة

فقد كان الكسائي معلماً في قصر هارون الرشيد الخليفة العباسي الذائع الشهرة , وكان يعلم ابنيه: الأمين (أصبح خليفة بعد ذلك) والمأمون (أصبح خليفة بعد ذلك)

وانتهى من درسه يوماً , فاستبق التلميذان إلى نعليه كل يريد أن يكون له السبق في تقديمهما إليه , واختلفا ثم اتفقا على أن يقدم كل واحدة له.

ومضى الدارسان إلى القصر , وعلم الرشيد فطلب الكسائي

فلما مثل بين يديه سأله: من أعز الناس؟

قال الكسائي: لا أعلم أحداً أعز من أمير المؤمنين!

فقال الرشيد: إن أعز الناس من يتسابق على حمل نعليه وليّا عهد المسلمين , فأخذ الكسائي يعتذر خشية أن يكون قد أخطأ.

فقال الرشيد: لقد سرني ما قاما به، إن المرء لا يكبر عن ثلاث صفات:

تواضعه لسلطانه ,ولوالديه ,ولمعلمه. ..

واليوم يتسابق الطلاب على نعال المعلم ولكن أيهم يسرقها!

بقلم كرم مبارك ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير