تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الحضارة العربية الإسلامية .. قراءة في قصة التدهور و]

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[04 - 06 - 2009, 02:45 ص]ـ

الحضارة العربية الإسلامية .. قراءة في قصة التدهور والانحطاط

http://www.alarabimag.com/arabi/Data/2009/4/1/Media_88010_TMB.JPG

الحضارة فعل إنساني، قابل للنمو والتقدم، كما أنها معرّضة للفساد والضياع، ولا مندوحة لأي باحث في قضايا الحضارة وإشكالاتها من أن يتناول مسألة تدهورها وانحطاطها.

يُعد موضوع تدهور الحضارة العربية الإسلامية من الموضوعات الشائكة والمعقدة، وكل من تناوله بالدراسة والتحليل، وقع في إحدى الغلطتين المنهجيتين التاليتين: الأولى - أن بعض الباحثين استخدم الأسباب أو العوامل التي أدت إلى سقوط حضارات أخرى، كالحضارة اليونانية والحضارة الرومانية في تفسير أسباب تدهور الحضارة الإسلامية، دون الاهتمام بمسألة الفروق بين الحضارات، وما تميّزت به كل حضارة من خصوصية، والثانية - أن معظم الباحثين، الذين عالجوا مسألة انحطاط الحضارات، انطلقوا في عملهم من نظريات مسبقة، وحاولوا فرضها على الوقائع التاريخية فرضاً، أي التلاعب بالحقائق التاريخية لتأييد وجهة نظر مادية أو مثالية. الغلطة المنهجية هنا هي الانتقال من النظرية، من الإيدلوجية، إلى التاريخ، في حين ينبغي أن تستمد النظرية من التجربة ذاتها، أي من الوقائع التاريخية. ومقالنا هذا لا يطمح أكثر من أن يكون محاولة متواضعة لإلقاء الضوء على بعض الأسباب، الداخلية منها والخارجية، التي أدت إلى تدهور الحضارة العربية الإسلامية بغية الوصول إلى أقرب صورة ممكنة للحقيقة التاريخية.

مراحل التطور

إن الحضارات التي شهدها التاريخ الإنساني، قد مرت، بثلاث مراحل رئيسة وهي: مرحلة التكوين، ومرحلة الازدهار، ومرحلة التدهور والانحطاط. ولاشك في أن الحضارة العربية الإسلامية لم تخرج عن هذه التجربة. ففي مرحلة التكوين، التي استغرقت قرنين من الزمان تقريباً (الأول والثاني للهجرة - السابع والثامن للميلاد)، نجح العرب والمسلمون في بناء حضارة من عناصر ومصادر متعددة، أولها - ما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ، تتناول شئون الدنيا والآخرة. وثانيها - تراث العرب القديم وقيمه الإيجابية، وثالثها - تراث الشرق القديم الذي كان منبعاً ثرياً لحضارة الشرق والغرب في العصور القديمة، ورابعها - إنجازات الحضارة الإغريقية والفارسية والهندية والصينية التي أفاد منها العرب والمسلمون في تكوين حضارتهم. أما مرحلة الازدهار، (العصر الذهبي)، فقد استمرت زهاء ثلاثة قرون (الثالث والرابع والخامس للهجرة - التاسع والعاشر والحادي عشر للميلاد)، وفيها أبدع العرب والمسلمون في كل ميادين الحضارة وتزعموا العالم خلالها في العلم والنظام والتسامح والاقتصاد والسياسة. وتتلمذ الأوربيون على أيديهم في كل ميادين العلم والمعرفة. أما المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التدهور والانحطاط، فقد بدأت طلائعها منذ القرن السادس - الثاني عشر للميلاد تقريباً - واستمرت بالنسبة إلى المشرق العربي الإسلامي حتى أواسط القرن الثالث عشر للهجرة (التاسع عشر للميلاد).

سمات مرحلة التدهور

قبل أن نتناول أسباب التدهور والانحطاط، ينبغي أن نشير إلى بعض الحقائق التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، لأنها تشكّل مدخلاً علمياً لمعالجة الموضوع. 1 - أن التدهور الذي أصاب الحضارة العربية الإسلامية لم يحدث حدوثاً مفاجئاً، دون مقدمات أو مؤشرات، وإنما كان عملية بطيئة تجمّعت عناصرها خلال فترات زمنية طويلة، أي لم تنبثق على الساحة في عصر واحد أو في مكان واحد. 2 - أن ضعف حضارتنا لا يعود إلى عامل أو سبب واحد مهما كان هذا العامل أو ذلك السبب فعالاً ومؤثراً، وإنما يرجع إلى جملة من العوامل التي تفاعلت مع بعضها خلال فترات تاريخية معينة، وأدت إلى تحوّل نوعي في مسيرتها، ولهذا فالمنهج العلمي يقتضي أن نأخذ كل العوامل بعين الاعتبار في دراستنا لهذه المسألة. 3 - على الرغم من تبني الكثير من المفكرين للنظرية التي تقول إن الحضارات تنتحر ولا تُقتل، أي أن الحضارة تنهار من الداخل بالانحلال البطيء للقوى الداخلية الفاعلة قبل أن تسقط بفعل غزو خارجي، أقول على الرغم من شيوع هذه النظرية فإننا نتمسك بمبدأ ضرورة تقصي كل الأسباب، الداخلية والخارجية، التي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير