[من آية المحرمات في النكاح]
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 06 - 2009, 07:58 م]ـ
[من آية المحرمات في النكاح]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ: أي نكاح أمهاتكم اقتضاء، إذ لا يتعلق التحريم بعين الأم، وإلا لزم من ذلك المنع من مسها، ولا قائل بذلك، وإنما تعلق التحريم بالمحذوف الذي دل عليه السياق اقتضاء، إذ ورد التحريم في معرض بيان المحرمات في النكاح، فدل ذلك على أن المحذوف على تقدير: حرم عليكم نكاح الأمهات.
وإليه أشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، بقوله: "وتعلُّقُ التحريم بأسماء الذوات يُحمل على تحريم ما يُقصد من تلك الذات غالباً فنحو {حرمت عليكم الميتة} إلخ معناه حُرّم أكلها، ونحو: حرّم الله الخمر، أي شربها، وفي {حرمت عليكم أمهاتكم} معناه تزوجهنّ". اهـ
والتحريم: تحريم شرعي لا كوني، وهو على ما اطرد من التلائم بين الحكم الشرعي، والحكم الخلقي القدري، فإن النفوس السوية تنفر من قربان المحارم بشهوة لا سيما الأصول والفروع، ولذلك قدمهما في الذكر، فيكاد يكون التحريم واقع كونا، إلا عند من فسدت فطرته، فجاء التحريم الشرعي مؤكدا لذلك النفور الفطري الذي جبل عليه البشر بمقتضى إرادة الخلق الكونية.
وفي مقام التحريم يحسن التفصيل، مصداق قوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)، إذ المحرمات محصورة يسهل تعدادها، وذلك من رحمة الله، عز وجل، أن جعل الأصل في الأعيان والأفعال: الإباحة، إلا أمورا مستثناة، وفي الفروج: يكون الأصل: التحريم إلا بالنكاح إذ به تستحل الأبضاع بكلمة الله، عز وجل، الشرعية، وفي النكاح يكون الأصل: حل نكاح أي امرأة إلا ما ورد الدليل المفصل باستثنائه، ولما كانت عدد المستثنيات محصورا، صار النص على أعيانهن ميسورا، بل هو لازم من باب: ما لا يتم ترك الحرام إلا بذكره، فذكره واجب، ومن باب معرفة الشر توقيا، ولذلك كان الإطناب بذكر المحرمات الشرعية مستحسنا في هذا المقام من جهة:
كون عددهن محصورا، وقبل ذلك: من جهة كون ذلك لازما لتجنب الحرام، فهو بمنزلة المكمل لضروري، إذ حفظ الأعراض: ضروري من الضرورات التي جاءت الشريعة صيانة لها، ومعرفة الأبضاع المحرمة: مكمل له، فألحق به، فصار من الضروري معرفتها حذار قربانها.
فأطنب، تبارك وتعالى، بقوله: (وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ): فتلك المحرمات من النسب، وقد رتبهن تبعا لقربهن من الرجل، فالمانع الفطري المنفر من نكاح الأمهات أقوى من المانع من نكاح البنات، والثاني أقوى من المانع من نكاح الأخوات ............ إلخ، وإن كان الكل، عند التأمل، مما تنفر النفس من مجرد تصور قربانه بشهوة، ولكن في مقام البيان: يجب التفصيل لزوال أي إشكال أو شبهة ولو كانت من الضعف بمكان.
ثم ثنى بذكر المحرمات من الرضاعة فهي قرينة النسب، لحديث علي، رضي الله عنه، مرفوعا: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ).
(وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ).
ثم ثلث بذكر المحرمات بالمصاهرة: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ).
فقوله: "اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ": كناية عن نشأة الربيبة في كنف زوج أمها، فلا يمنع ذلك إرادة الحقيقة، إذ الصغيرة توضع في الحجر ملاطفة، بخلاف الكبيرة البالغة، فإرادة الحقيقة في حقها متعذرة لعدم اطراد العادة بذلك، بل إن تصوره مما تستهجنه العقول والفطر السوية.
والقيد في: "اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ": لا مفهوم له إذ هو وصف كاشف قد خرج مخرج الأغلب، فالوصف المؤثر الذي علق عليه حكم التحريم هو الدخول بأم الربيبة، فإذا دخل بأمها حرمت عليه تحريما مؤبدا، سواء أكانت في حجره، وهو الغالب، أم تربت في حجر غيره، خلاف الظاهرية، رحمهم الله، الذين جوزوا نكاح الربيبة إن لم ترب في حجر زوج أمها، فعملوا بمفهوم الوصف الأغلبي الكاشف.
¥