[الجواب الكافي في (حكم التصفير)]
ـ[محب العلم]ــــــــ[28 - 05 - 2009, 11:53 ص]ـ
حكم التصفير
ما حكم التصفير - سواء أكان بتلحين، أم كان لأجل نداء الشخص البعيد جدا؟
الحمد لله
اختلف أهل العلم في حكم التصفير أو الصفير على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع والتحريم.
واستدلوا عليه بأن التصفير هو من خصال الجاهلية، وقد ذم الله في القرآن الكريم كفار قريش على هذا الفعل، فقال سبحانه: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) الأنفال/35.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/ 390):
" الصفير لا يجوز، ويسمى في اللغة: (المكاء)، وهو من خصال الجاهلية، ومن مساوئ الأخلاق، (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) " انتهى.
القول الثاني: الكراهة.ووجهه أن الدليل السابق لا يقوى على القول بالتحريم، لكن مشابهة الكفار في عمل من أعمالهم من غير حاجة مذموم في الشريعة، فكان القول بالكراهة.
يقول ابن مفلح رحمه الله:
" قال الشيخ عبد القادر رحمه الله: يكره الصفير والتصفيق " انتهى.
"الآداب الشرعية" (3/ 375)
القول الثالث: الجواز.واستدل أصحاب هذا القول بعدم ورود نص يدل على التحريم أو الكراهة، قالوا: والأصل في العادات الإباحة. أما الآية السابقة فهي تنعى على كفار قريش تعبدهم لله تعالى بهذه الأعمال الهوجاء: التصفيق والتصفير، فقد كانوا يتخذون ذلك عبادة وشعيرة يتقربون إلى الله بها، وهذا أمر زائد على التصفير المجرد من نية العبادة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" كان المشركون يجتمعون في المسجد الحرام يصفقون ويصوتون، يتخذون ذلك عبادة وصلاة، فذمهم الله على ذلك، وجعل ذلك من الباطل الذي نهى عنه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (3/ 427)
يقول أبو بكر الجصاص رحمه الله:
" سمي (المكاء) و (التصدية) صلاة؛ لأنهم كانوا يقيمون الصفير والتصفيق مقام الدعاء والتسبيح. وقيل: إنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاتهم " انتهى.
"أحكام القرآن" (3/ 76)
فإذا لم يفعل ذلك على وجه العبادة لم يبق وجه للمنع أو التحريم، خاصة إذا قامت الحاجة لإصدار صوت الصفير، وهي حاجات كثيرة اليوم، فقد أصبحت الصافرة تستعمل اليوم لدى شرطة المرور، كما أصبحت أصوات كثير من الأدوات الكهربائية تتضمن هذا الصوت، والأم قد تصدر هذا الصوت لإسكات طفلها والغناء له، كما قد يضطر إليه بعض الناس لمناداة البعيد، ونحو ذلك.
ولكن إذا اتخذ التصفير لإيذاء الناس وإزعاجهم، أو للتحرش بالفتيات، أو قصد به التشبه بالكفار والفساق وعادتهم: فيحرم حينئذ باتفاق.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
" ما حكم التصفيق والتصفير، وأي نوع من التصفير محرم، وما دليل التحريم؟
فأجاب رحمه الله:
الآن لو أنك قمت تصفق وتصفر ماذا سنقول: هذا مجنون أم عاقل؟!!
فما هو سبب التصفيق والتصفير؟
أما إذا كان التصفيق للإنسان الذي تميز عن غيره في النجاح، أو أجاب جواباً صواباً، أو ما أشبه ذلك، فأنا لا أرى فيه بأساً.
أما التصفير فأكرهه كراهة ذاتية، ولا أستطيع أن أقول: إنه مكروه كراهة شرعاً؛ لأنه ليس عندي دليل.
وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، وتصفق النساء) فهذا في الصلاة.
وأما قوله تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35
والمكاء: التصفير.
والتصدية: التصفيق.
فهؤلاء كانوا عند المسجد الحرام يتعبدون الله بذلك، بدل أن يركع ويسجد يصفق ويصفر.
أما إنسان رأى شخصاً تفوق عن غيره وأراد أن يشجعه وصفق، فلا أرى في هذا بأساً.
أما التصفير فأنا أكرهه كراهة ذاتية، وليس عندي دليل، ولو أن شخصاً طلب مني دليلاً، فلا أستطيع أن أقول: عندي دليل " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (رقم/119، سؤال رقم/4).
ولعل أقرب الأقوال في هذه المسألة أن الصفير مكروه، خاصة إذا لم يكن هناك حاجة تدعو إليه؛ فالإشارة إليه في الآية بوصف الذم، وكونه من شأن أهل الجاهلية، يدعو إلى التنزه والابتعاد عنه.
¥