من حديث: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 07 - 2009, 06:28 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابن عباس، رضي الله عنهما، وهي رواية أحمد، رحمه الله، في المسند:
يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
يا غلام: استرعاء لانتباه ابن عباس، رضي الله عنهما، بنداء البعيد، وإن كان قريبا منه بل رديفه.
إني أعلمك كلمات: نكرت إما على سبيل التقليل فذلك مما يحفز الهمم لاستيعابها، إذ الموعظة كلما قصرت كانت أوقع في النفس لسرعة الاستحضار وسهولة التبليغ، إن كان المقام مقام: وعظ وإرشاد. ويرجح ذلك كون "كلمات": جمع مؤنث سالم وهو من جموع القلة، ومن حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِنَّمَا هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ. ومن حديث عمار، رضي الله عنه، مرفوعا: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا).
وقد يكون التنكير للتعظيم فهي كلمات قليلة المبنى عظيمة المعنى.
احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ: إيجاز بالحذف انتقالا إلى محط الفائدة فتقدير الكلام: احفظ الله، إن تحفظ الله يحفظك.
وحذف المتعلق في الأمر والجواب إرادةَ العموم، فاحفظ الله في أمرك كله بامتثال شرعه أمرا ونهيا فلكل مقام في الحياة حكم شرعي تكليفي، ولو بالإباحة التي يستوي طرفاها فاعتقاد إباحته في حد ذاته مما يؤجر العبد عليه إن استحضر المنة الربانية بإحلال الطيبات مصداق قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، فالأمر للامتنان بإباحة الأكل من الطيبات، والمراد تناولها من أي وجه مباح، لا خصوص الأكل، وإنما ذكر لكونه آكد صور الانتفاع، فذكره من باب التمثيل للعام بأشهر صوره فلا يخصصه، إذ التخصيص في مقام الامتنان مظنة التنغيص الذي يناقض تمام المنة الربانية، وأضاف الرزق إليه إمعانا في تقرير المنة، ثم عطف عليه لازمه من التكليف الشرعي فمقابل كل منة ربانية: تكليف إلهي، فالشكر بالقلب واللسان والجوارح في مقابل المنة بإجراء الرزق الطيب على عموم المكلفين برهم وفاجرهم، وذيل السياق بشرط فيه معنى الإلهاب والتهييج على الامتثال.
وحذف متعلق فعل الرب، جل وعلا، فحفظه لعبده في مقابل حفظ عبده له في شرعه: حفظ عام فيشمل:
حفظ دينه من الشبهات والشهوات وتلك المنة الأعظم لمن تدبر، إذ لا يلقاها إلا الذين صبروا على التكليف الشرعي من أهل الإيمان.
وحفظ دنياه بإجراء أسباب صلاح البدن من مطعوم ومشروب وملبوس ........... إلخ عليه، وسلامة المحل الذي يقبل تلك الأسباب، إذ لو فسدت قوى البدن الباطنة ما انتفعت بالغذاء وإن كان صالحا في نفسه، إذ ورود الصالح على محل فاسد لا يصلحه، ولذلك تفارق الروح البدن، وهي أعظم أسباب صلاحه، إذا فسد واستولت عليه الأخلاط الخبيثة، فلم يعد محلا قابلا لأثرها النافع في حفظ آلاته من العطب والفساد الذي يعتريه بمجرد مفارقتها له، فيصير جيفة مستحيلة بعد أن كان آلة مستقيمة.
¥