[تسلية أهل المصائب [7]]
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[21 - 07 - 2009, 12:42 ص]ـ
" تسلية أهل المصائب بذكر ما هو أفضل من الصبر "
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اعلم ـ رحمك الله ـ أن الصبر على المصائب من أشق الأشياء على النفوس، والرضا بالمصائب، أشق على النفوس من الصبر،
فالعبد قد يصبر على المصيبة و لا يرضى بها، فالرضا أعلى من مقام الصبر،
روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي مسلم، قال: دخلت على أبي الدرداء في اليوم الذي قبض فيه، وكان عندهم في العز كأنفسهم، فجعل أبو مسلم يكبر، فقال أبو الدرداء: أجل، فهكذا فقولوا، فإن الله إذا قضى بقضاء، أحب أن يرضى به.
وذكر ابن أبي الدنيا، في قوله تعالى: " و من يؤمن بالله يهد قلبه "، قال علقمة بن أبي وقاص: هي المصيبة، تصيب الرجل، فيعلم أنها من عند الله، و يسلم لها و يرضى.
وعن مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري، قال: في قوله تعالى: " و بشر المخبتين ". قال: المطمئنين الراضين بقضائه المستسلمين له.
و روى ابن أبي الدنيا بإسناده، عن ابن عون، أنه قال: ارض بقضاء الله على ما كان من عسر و يسر، فإن ذلك أقل لغمك، و أبلغ فيما تطلب من أمر آخرتك، و اعلم، أن العبد لن يصيب حقيقة الرضا، حتى يكون رضاه عند الفقر و البلاء، كرضاه عند الغنى و الرخاء.
واعلم أن الرضا من أعمال القلوب، لكن و إن كان من أعمال القلوب، فكماله هو الحمد، حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضا، و لهذا جاء في الكتاب و السنة: حمد لله على كل حال، و ذلك يتضمن الرضا بقضائه.
و محمد نبينا صلى الله عليه و سلم هو صاحب لواء الحمد، و أمته هم الحمادون، الذين يحمدون الله في السراء و الضراء،
و الحمد على الرضا له مشهدان:
أحدهما ـ علم العبد، بأن الله سبحانه مستوجب لذلك، مستحق له لنفسه، أحسن كل شيء خلقه، و أتقن كل شيء، و هو العليم الحكيم.
الثاني ـ أن يعلم أن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه، كما روى مسلم في صحيحه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: " و الذي نفسي بيده، لا يقضي الله للمؤمن قضاءً، إلا كان خيراً، و ليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، و إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له "، فأخبر صلى الله عليه و سلم أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء و يشكر على الرخاء فهو خير له، كما قال تعالى: " إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ".
فمن لا يصبر على البلاء، و لا يشكر على الرخاء، فلا يلزم أن يكون القضاء خيراً له.
و المؤمن، إذا فعل سيئة، فإن عقوبتها تندفع بعشرة أسباب:
منها: أن يتوب توبة نصوحاً ليتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ومنها: أن يستغفر الله فيغفر الله تعالى له.
ومنها: أن يعمل حسنات يمحوها لقوله تعالى: " إن الحسنات يذهبن السيئات ".
ومنها:أن يدعو له إخوانه المؤمنون حياً و ميتاً.
ومنها: أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب، في نفسه و ماله، و أولاده و أقاربه، و من يحب، و نحو ذلك.
ومنها: أن يبتليه في البرزخ بالفتنة و الضغطة، و هي عصر القبر، فيكفر بها عنه.
ومنها: أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه.
ومنها: أن يرحمه أرحم الراحمين.
والمقصود أن المؤمن إذا كان يعلم أن القضاء خير له، فيرضى عن الله بما قسم له، كان قد رضي بما هو خير له.
وفي الحديث: عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: إن الله يقضي بالقضاء، فمن رضي فله الرضا، و من سخط فله السخط ".
رزقنا الله وإياكم ووالدينا منزلة الرضا عن الله، وجعلنا وإياكم من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.