تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تسلية أهل المصائب [6]]

ـ[أبوأيوب]ــــــــ[17 - 07 - 2009, 09:41 م]ـ

" تسلية أهل المصائب بذكر ما ورد فيما يصل إلى موتاهم من أعمال البر "

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد، أما بعد:

فهنا سنذكر ما يُطَيِّبُ قلوبَ أهل المصائب على مصابهم، فإنهم إذا أبدلوا الحزن والبكاء ولطم الخدود وشق الثياب والنياحة، بالصدقة والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن والصلاة والصيام، ونحو ذلك من أفعال القرب، وعلموا وصول ذلك إلى موتاهم، وإنه يحصل لهم بذلك: إما تكفير سيئات، أو رفع درجات، أو كلاهما ـ حصل لهم السرور بذلك والراحة والفرح.

وهذا الكلام منعقد على إهداء القرب إلى الموتى، فنذكر اختلاف العلماء في وصول ثواب ذلك إليهم، فمن أنواع القرب: قرب لم يختلف في وصول ثوابها إلى الموتى، و ثم قرب اختلف العلماء في وصول ثوابها اختلافاً كثيراً، فنذكر ما يسره الله تعالى في ذلك، من دون إطالة؛ لأن سبيل ذلك الكتب المطولة.

ذكر اختلاف الناس في وصول ثواب إهداء القرب إلى الموتى

أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات، فلا أعلم خلافاً في وصولها، حكاها غير واحد من العلماء، ومن العلماء من يشرط في الوصول إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة.

قال الله تعالى: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا "،

وقال تعالى: " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات "،

ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين مات أبوسلمة، وما شرع الله على لسان نبيه من الدعاء لكل ميت يصلى عليه، وهو قوله: " اللهم اغفر لحينا وميتنا ... "، وكذلك قوله: " اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه " الدعاء المشهور المعروف.

وأما وصول العبادات المالية المحضة، كالعتق والصدقة ونحوهما: فجمهور العلماء من أهل السنة والجماعة على وصول ثوابها إلى الموتى، كما يصل إليهم الدعاء والاستغفار، وأما وصول ثواب الأعمال البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك، فالصحيح الوصول، وهو مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي؛ لما يأتي من الأحاديث بعد إن شاء الله.

ذكر الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب

قال تعالى: " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "، فلو لم ينفعهم ذلك، لم يخبر الله تعالى به ترغيباً.

وأما الأحاديث، فمنها: ما روى الإمام أحمد من حديث الحسن بن سعد بن عبادة، أن أمه ماتت، فقال: يا رسول الله، ماتت أمي. أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء ". قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة. ورواه النسائي أيضاً.

ومنها ما روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن العاص بن وائل، نذر أن ينحر في الجاهلية مائة بدنة، و أن هشام بن العاص نحر حصته خمسين، " و أن عمراً سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك، فقال: أما أبوك، فلو أقر بالتوحيد، فصمت عنه و تصدقت عنه نفعه ذلك " رواه الإمام أحمد، و هو دليل على وصول أفعال الخير إلى الميت.

ومنها:ما روى أبوهريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم ". رواه مسلم والإمام أحمد والنسائي وابن ماجه.

ومنها: ما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رجلاً، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم. رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد.

وروى ابن المنذر بإسناده، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها أعتقت عن أخيها عبد الرحمن عبداً بعد موته.

ومنها ما روى ابن أسيد مالك بن ربيعة الساعدي، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وافتقاد عهدهما بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما. رواه أبوداود، وهذا لفظه، وابن ماجه.

فمما سبق يتبين لك ما يصل إلى ميتك من أب أو أم أو أخ أو أخت أو قريب أو قريبة أو صديق أو صديقة.

وأهدِ له ما استطعت مما ورد النص بأن ثوابه يصل إليه، ولا تتباطأ في ذلك.

لعل الله يقيض لك من يهدي لك من أعمال البر أضعاف ما كنت تهدي لما كنت في الحياة الدنيا، فإنك عما قليل راحل أو راحلة، نحن وإياك. ولا تغتر بهذه الحياة، فإنها ظل زائل، وسراب ولا ماء.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير