[الفرق بين الحماقة والجنون]
ـ[د. ماهر شعبان عبد الباري]ــــــــ[30 - 06 - 2009, 11:54 ص]ـ
المصدر ابن الجوزي: أخبار الحمقى والمغفلين
لفرق بين الحماقة والجنون
فصل
وقد ذكرنا ما يتعلق باللغة في هذا الاسم ولا يظهر المقصود إلا بكشف المعنى فنقول: معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً، فالأحمق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه الطريق فاسد ورويته في الطريق الوصال إلى الغرض غير صحيحة، والمجنون أصل إشارته فاسد، فهو يختار ما لا يختار، ويبين هذا ما سنذكره عن بعض المغفلين، فمن ذلك: أن طائراً طار من أمير، فأمر أن يغلق باب المدينة! فمقصود هذا الرجل حفظ الطائر.
الباب الثاني
أن الحمق غريزة
عن إبي إسحاق قال: إذا بلغك أن غنياً افتقر فصدق، وإذ بلغك أن فقيراً استغنى فصدق، وإذا بلغك أن حياً مات فصدق، وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تصدق.
القاضي أبو يوسف يتكلم عن الحماقة
عن أبي يوسف القاضي قال: ثلاث، صدق باثنتين ولا تصدق بواحدة، إن قيل لك إن رجلاً كان معك فتوارى خلف حائط فمات فصدق، وإن قيل لك إن رجلاً فقيراً خرج إلى بلد فاستفاد مالاً فصدق، وإن قيل لك إن أحمق خرج إلى بلد فاستفاد عقلاً فلا تصدق.
عن الأوزاعي إنه يقول: بلغني أنه قيل لعيسى ابن مريم عليه السلام: يا روح الله إنك تحيي الموتى؟ قال: نعم بإذن الله. قيل وتبرىء الأكمة؟ قال: نعم بإذن الله. قيل: فما دواء الحمق؟ قال: هذا الذي أعياني، قال جعفر بن محمد: الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل، كلما ازداد رياً زاد مرارة.
الحمق شر من الرعونة
قال المأمون: تدرون ما جرى بيني وبين أمير المؤمنين هرون الرشيد؟ كان لي إليه ذنب فدخلت مسلماً عليه، فقال: أغرب يا أحمق. فانصرفت مغضباً ولم أدخل إليه أياماًن فكتب إلي رقعة يقول: الخفيف:
ليت شعري وقد تمادى بك الهج ... ر أمنك التفريط أم كان مني
إن تكن خنتنا فعنك عفا الل ... ه وإن كنت خنتكم فاعف عني
فسرت إليه، فقال: إن كان الذنب لنا فقد استغفرناك، وإن كان لك فقد غفرناه. فقلت له: قلت له يا أحمق ولو قلت لي يا أرعن كان أسهل علي. فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت له: الرعونة تتولد عن النساء فتلحق الرجل من طول صحبتهن، فإذا فارقهن، وصاحب فحول الرجال زالت عنه، وأما الحمق فإنه غريزة. وأنشد بعض الحكماء: الخفيف:
وعلاج الأبدان أيسر خطباً ... حين تعتل من علاج العقول