تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بصيغة النكرة ولم يقل (القوة) بال التعريف؛ لانَّ النكرة تفيد العموم. أي ما استطعتم من قوة روحية وايمانية وعسكرية واقتصادية واعلامية وو ......... ، ثم قال (ومن رباط الخيل) فرباط الخيل من القوة

ولكنه من باب ذكر الخاص بعد العام لزيادة التأكيد عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام (الخير في نواصي الخيل الى يوم القيامة).

اذا المسألة ليست بكثرة عدد، والا فالمسلمون اليوم مليار ونصف المليار، ولا يد تبطش، ولا قدم تسعى.

قال عليه الصلاة والسلام (بل انتم كثير).

(ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل)

غثاء السيل: (بالضم والمد وبالتشديد أيضا ما يحمله السيل من زبد ووسخ شبههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم) (1).

وقيل: (الرغوة من الماء والغبار تجتمع فوقه ولا قوام لها) (2).

انظر الى هذا التعبير الذي يبين مدى الضعف الذي وصلت اليه الامة (غثاء) رغوة أو زبد ووسخ، وقش الارض، الذي أول ما ينجرف باقل تيار هواء أو جريان ماء؛ فما ظنك بالسيل الذي يقطع الاشجار ويدمر البيوت، وأظنك سمعت باعصار (توسانامي) جَرَفَ وهدَّم ودمَّر؛ أمواج متلاطمة؛ وكأنَّ الله يقول للعباد وهم (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ) [الأنبياء: 3]، انِّي انا الله مللك الملوك ومالك الملك.

أرأيت ايها الاخ؟ العدو كهيئة سيل جرار ونحن (غثاء)


(1) عون المعبود 11/ 272
(2) سنن أبي داود 2/ 313
قوله (ينزع الله المهابة من قلوب عدوكم)
(أي ليخرجن (المهابة) أي الخوف والرعب (وليقذفنَّ) بفتح الياء أي وليرمينَّ الله) (1).
سبحانك يارب، المهابة التي كانوا يهابونها من المسلمين ومن دولتهم وحضارتهم تلك المهابة التي وصفها القرآن (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) [الحشر: 13]، المهابة التي جعلتهم (يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29]، تنزع، وليس تذهب تدريجيا، انَّما تنزع. ومن الذي ينزعها؟ الله الذي أعطاها هو بذاته ينزعها؛ لأنكم لم ترثوها أبا عن جد، وانَّما جاءتكم منه (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء: 10]، فلما أعرضتم كان العقاب
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه:124_ 126]، وبعدما كانوا يدفعون الجزية وهم صاغرون منكسة رؤوسهم؛ صرتم تدفعونها لهم وانتم صاغرون.
والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان (نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة: 67]، ولن يكون التغير الا بالتغير ولا التحول الا بالتحول، واذا عرفت مقام الله عرف مقامك (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد: 11].
(ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن)، فما أشبه اليوم بالبارحة؛ فلقد كنتم في وهن (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103]، جعلكم في عزة، فلما أعرضتم انتزع المهابة من قلوب أعدائكم المهابة التي هو جعلها، وجعل الوهن في قلوبكم الذي كان فيها قبل أن تكون لكم المهابة بالاسلام.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير