" فكان ذلك كله ما بعث العلماء أن يفترقوا على جهات القرآن، حياطة لهذا الدين، وقيامًا بفروض الكفاية، يستقبل بعضهم بعضًا بالرفد والمعاونة، ويأخذون على أطراف الأمر كله، وهو أمر لم يكن أكثره على عهد الصحابة يوم كان العلم فروعًا قليلة، إذ كانت الأعلام بينة لائحة، وطريق الإسلام لا تزال فيها آثار النبوة واضحة. ومن ثم جعلت العلوم تنبع من القرآن ثم تستجيش وتتسع، وأخذ بعضها يمد بعضًا " *.
ولعلنا نتعرض لشيء يسير من الدراسات العربية، والعلوم التي قامت في الأساس لخدمة القرآن الكريم، إذ أن المقام لا يتسع لعرضها مفصلة، ولا أزعم أني أحطت بها، وإنما كان كل جهدي أني جليت ذلك القبس النوراني لمن أراد مزيد هداية وبصيرة، وأرجو من الله أن أكون وفقت ولو في شيء بسيط مما أردت.
قلب بحثنا أن نبين دور القرآن في حفظ العربية، وكيف أنه أصبح معجزة دهره في الحفظ. فكان مما استجلى لنا:
معجزته السياسية، معجزته الأدبية، ومعجزته العلمية والتي تفرع عنها: النحو، التفسير، البلاغة، علم الفلك، الرياضيات
....... وغيرها.
وسأحاول – بإذن الله- تناول هذه المعجزات بشيء من التفصيل:
(المعجزة السياسية):
" لولا هذا العربية التي حفظها القرآن على الناس، وردهم إليها، وأوجبها عليهم، لما اطرد التاريخ الإسلامي، ولا تراخت به الأيام إلى ما شاء الله، ولما تماسكت هذه الأمة واستقلت بها الوحدة الإسلامية" *.
تلك سياسة هذا القرآن: جمع العرب ...
تنزل القرآن فألف بين مذاهب الفطرة اللغوية في الألسنة، ثم ألف بين القلوب على مذهب واحد، ولقد كان إعجازًا من القرآن أن يجمع هؤلاء الذين قطعوا الدهر بالتناحر والتقاطع والعصبيات القبلية، إذ ألف بين قلوبهم وألسنتهم، وصفى طبائعهم، وصقل أرواحهم حتى سمت فيهم المعاني، وبلغوا شأوًا عظيمًا من الرقي والكمال. فكأنهم في الاعتبار الاجتماعي وفي اعتبار أنفسهم جسم واحد ينطق في لغة التاريخ بلسان واحد. فأقامهم على طريق التاريخ، ومكنهم في الأرض، وجعلهم في الدهر آية، حتى فتحوا الأرض وألبسوها لباس العربية، وكسوها حلة العزة والإباء والقوة، ونشروا نور الله فيها، فكأنما زويت لهم جوانب الأرض حتى دان لهم الناس، إما إسلامًا أو رضوخًا بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. فانتحلوا جميعًا اللسان العربي، لأن من شأن المغلوب اتباع الغالب. ثم بقائه في ألسنتهم على نسبة بينة من الفصيح مهما ركت ومهما رذلت، ولولا القرآن وأنه على وجه واحد وهيئة ثابتة، ما بقيت العربية ولا تبينت النسبة بين فروعها العامية، بل لذهب كل فرع بما أحدث من الألفاظ، ومما استمد من ضروب العبارة وأساليبها، حتى يتسلل كل قوم من هذه العربية، سواء كانوا من أهلها، أو من أهل ذمتها، ثم لا تستحكم لهم بعد ذلك ناحية من الائتلاف ولا سبب من الارتباط.
فهذا الذي أمسكه القرآن من العربية لم يتهيأ في لغة من لغات الأرض، ولن تلاحق أسبابه في لغة بعد العربية.
* إعجاز القرآن للرافعي
يتبع.
ـ[أبو سارة]ــــــــ[19 - 07 - 2007, 05:13 ص]ـ
موفقة مسددة يا زينب
الميتافيزيقيا معناها ماوراء المادة، أي الأشياء التي لاتدرك بأدوات الإدراك، ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: كذب النسابون مابعد عدنان، لأن إدراك ذلك إنما هو ضرب من المحال.
أعرج على قول الشيخ المنجد، فالكلام المنقول هو من فتح الباري لابن حجر رحمه الله وليس من صحيح البخاري عدا الجزء الأول وهو: (ونشأ إسماعيل بين ولدانهم، وتعلم العربية منهم)، لأن قول المنجد: فقد جاء في الحديث الصحيح، يوهم أن الكلام في أحد الصحيحين.
مهما يكن من أمر، أعتذر لمقاطعتي بحثك، ولعلي أعود بعد ختمك الموضوع لنفيد من علمك الذي نسأل الله أن يبارك فيه، وجزيت خيرا على حسن اختيار الموضوع، لأنه من الموضوعات التي يفترض ألا تخلو منها ثقافة كل مسلم.
ـ[زينب محمد]ــــــــ[19 - 07 - 2007, 05:32 ص]ـ
جزاك الله خيرًا على حسن أخلاقك، وتواضعك ..
وشكرًا لإفادتك ..
وأتمنى ألا تبخلوا علينا مما آتاكم الله من العلم، فقد سعدت كثيرًا بهذا الطرح ..
وسأنتظر العودة بعد الفراغ -بإذن الله-.
وفق الله الجميع ..
ـ[زينب محمد]ــــــــ[20 - 07 - 2007, 08:55 م]ـ
(المعجزة الأدبية):
¥