تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبظهور حجة الإسلام: الإمام: أبي حامد الغزالي، رحمه الله، دخل التصوف منعطفا جديدا، إذ ظهرت لأول مرة آثار الفلسفات القديمة، وخاصة اليونانية، في الفكر الصوفي، فظهرت نظرية الفيض، وهي تضارع النبوات في اكتساب العلوم الإلهية، بتهذيب الشهوات برياضات محدثة مبناها الجوع والعطش والسهر والعزلة والإعراض عن تلقي العلوم التعليمية التي بها يعلم الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم إلى العلوم المكتسبة بالذوق والإلهام، فبدأ الانحراف العلمي يسير جنبا إلى جنب مع الانحراف العملي المتمثل في الغلو في تهذيب النفس، وإن شئت الدقة فقل: تعذيب النفس بتحريم الطيبات، واشترط بعض أئمة الطريق على أتباعهم شروطا مجحفة من قبيل: التجرد من كل الأموال لقطع علائق الدنيا، وعدم الزواج، وظهرت مقالات من قبيل: من اعتاد أفخاذ النساء لم يفلح!!!!، والإعراض عن طلب العلم الشرعي .......... إلخ.

وقد رجع أبو حامد، رحمه الله، عن ذلك في آخر حياته لما علم أن الحق كل الحق، في اتباع طريقة المعصوم صلى الله عليه وسلم، فقد تم الدين برسالته فلا جديد في دين الإسلام!!!!.

وواكب ذلك ظهور مصطلح الفناء الذي غلا فيه أئمة أفاضل من أمثال شيخ الإسلام: أبي إسماعيل الهروي، رحمه الله، الذي حصل له نوع غلو في شهود الحقيقة الكونية على حساب الحقيقة الشرعية، حتى نسبه الاتحاديون إليهم، وهو من طريقتهم براء.

وظهرت بواكير عقيدة الحلول في هذه المرحلة فسمعنا من يقول: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني .......... إلخ من الأقوال التي اعتذر عن أصحابها بأنهم كانوا فاقدي العقول حين قالوها فسقط عنهم التكليف.

وازداد الأمر غلوا بعد أبي حامد، رحمه الله، فظهرت الأفكار الإلحادية في الفكر الصوفي، فكانت نظرية الفيض بمثابة المقدمة لأقوال من قبيل:

جواز اكتساب النبوة بترويض النفس وتخليتها قبل تحليتها بأنوار النبوة، وتولى كبر ذلك ابن سبعين الذي جاور في غار حراء طلبا للنبوة!!!!

ومن قبيل: ختم الولاية الذي تولى كبره محيي الدين بن عربي، الذي ادعى أنه خاتم الأولياء وأنه في منزلة أعلى من منزلة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فهو يتلقى العلم بلا واسطة خلاف الرسول البشري الذي يتلقى العلم بواسطة الرسول الملكي، وله في ذلك أبيات قالها.

ودائما ما ترى المبتدع يحط من شأن النبوة أيا كانت بدعته، لأن نطقه بما لم ينطق به صاحب الشريعة، صلى الله عليه وسلم، هو في حد ذاته قدح في رسالته، فهو بمثابة المستدرك على الرسالة، وما أكثر استدراكات القوم في: الأذكار والعبادات المحدثة ............. إلخ.

وفي نفس المرحلة ظهرت لأول مرة عقائد مخالفة لدين الإسلام جملة وتفصيلا كـ: عقائد الحلول والاتحاد، التي أشرت إليها في مداخلتك، وتولى كبرها رجال من أمثال: ابن الفارض وابن عربي، وأشعارهم طافحة بالحلول والاتحاد، من قبيل:

العبد رب والرب عبد ******* يا ليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك رب ******* أو قلت رب أنى يكلف

و:

كلانا مصل واحد ساجد إلى ******* حقيقته بالجمع في كل مسجد

أي: كلا الحقيقتين: حقيقة الرب وحقيقة العبد تصلي للأخرى، لأنهما اتحدا في حقيقة واحدة!!!!.

ونشأت الشبهة عندهم من:

أنهم رأوا الوجود واحدا لمجرد اشتراك الموجودات في وصف "الوجود"، فالله، عز وجل: موجود، والكائنات: موجودة، إذن: الوجود واحد!!!!، مع أن التباين بين الوجودين أعرف من أن يعرف، إذ كيف يستوي وجود الله، عز وجل، الأزلي الأبدي الذي لم يسبق بعدم ولا يلحقه فناء، الكامل الذي لا يتخلله نقص، و: وجود الكائنات الحادث الذي يسبقه العدم ويلحقه الفناء، الناقص الذي تتخلله شتى صنوف النقص؟!!!

وفاق التلمساني القوم إلحادا وضلالا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير