تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)، فصيغة: "نزل" بالتشديد من "التنزيل" تفيد التكرار، على طريقة من قال: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فتشديد عين الفعل: "نزل"، أفاد معنى النزول الذي أفاده: "نزل" بتخفيف عينه، وزاد عليه: معنى التكرار إما ابتداء بلا سبب، فيكون من العام الوارد على غير سبب، وإما على سبب في الآيات التي لها سبب نزول، فيكون من العام الوارد على سبب، والأول أقوى دلالة، لاحتمال الثاني التخصيص بصورة السبب ولو احتمالا مرجوحا.

ومثله: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)، فالتنزيل مصدر "نزل" بالتشديد كما تقدم.

و: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، ولم يقل: أنزلنا على عبدنا.

وأما الحكمة من تعدد منازل القرآن، فقد أشار إليها السيوطي، رحمه الله، في "الإتقان" بقوله:

"قيل السر في إنزاله جملة إلى السماء تفخيم أمره وأمر من نزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجماً بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا تشريفاً للمنزل عليه. ذكر ذلك أبو شامة في المرشد الوجيز". اهـ

*****

وأما أول ما نزل فقد اختلف فيه على عدة أقوال:

أرجحها: أنه صدر سورة العلق، كما في حديث بدء الوحي، وفيه: ( ................. فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}).

ويليه: سورة المدثر، كما في حديث جابر، رضي الله عنه، ويقوي القول الأول ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه: ( .......... بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرُعِبْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ إِلَى قَوْلِهِ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.

فـ: "أل" في "فإذا الملك": عهدية تشير إلى معهود ذهني سبق للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تصوره، بقرينة: (الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ)، وقد أنزل عليه صدر سورة العلق في غار حراء فتكون هي أول ما نزل.

وجمع بعض أهل العلم بين القولين بـ:

أن أول ما نزل مطلقا: صدر سورة العلق، وأول ما نزل كاملا: سورة المدثر.

أو: بأن أول ما نزل مطلقا: صدر سورة العلق، وأول ما نزل بعد فترة الوحي: سورة المدثر.

أو: بأن أول ما نزل في شأن النبوة: صدر سورة العلق، فنبئ بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولما يرسل بعد لعدم الأمر بالبلاغ، وأول ما نزل في شأن الرسالة: سورة المدثر، إذ أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها بالبلاغ بقوله تعالى: (قُمْ فَأَنْذِرْ).

وأما آخر ما نزل فقد اختلف فيه أيضا على عدة أقوال أرجحها:

أنه قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).

يقول صاحب "إمتاع الجنان" حفظه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير