تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي: إنما زيد قائم: وقع القصر بـ: "إنما"، وهو أدنى درجات القصر، فلا يستعمل إلا في المُسَلَمات من قبيل قوله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ)، فالعلم عند الله، عز وجل، على وجه لا يكاد ينكره إلا جاحد لا يلتفت إلى إنكاره، فصار في حكم المسلم الذي لا يحتاج إلى مزيد توكيد لظهور معناه ابتداء.

وفي: ما قام إلا زيد: وقع القصر بأقوى أدواته: النفي والاستثناء، ففيه من التوكيد ما ليس في القصر بـ: إنما، والمقصود هنا: قصر فعل القيام على زيد، فما قام غيره.

وفي: ما زيد إلا قائم: المقصود: قصر زيد على وصف القيام، فلا صفة له إلا القيام، فهو قائم لا قاعد ولا مستلق ...... إلخ.

وفي: زيد القائم: حصر بتعريف الجزأين، وهو أسلوب ثالث من أساليب القصر.

وفي: قد قام زيد: الخطاب موجه لمن ينتظر وقوع المخبر به، يقول ابن هشام، رحمه الله، في معرض بيانه لأول استعمالات "قد":

"التوقع، وذلك مع المضارع واضح كقولك قدْ يقدمُ الغائبُ اليومَ إذا كنتَ تتوقّعُ قدومه.

وأما مع الماضي فأثبته الأكثرون، قال الخليل: يقال قد فعل لقوم ينتظرون الخبر، ومنه قول المؤذن: قد قامت الصلاة، لأن الجماعة منتظرون لذلك، وقال بعضهم: تقول قدْ ركب الأمير لمن ينتظر ركوبه، وفي التنزيل (قدْ سمعَ اللهُ قولَ التي تُجادلكَ) لأنها كانت تتوقع إجابة الله سبحانه وتعالى لدعائها". اهـ

وفي قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ): الصيغة: صيغة حصر بأقوى أدواته: النفي بـ "لا" والاستثناء بـ "إلا"، فمنطوق الآية: حصر المحرمات في المذكورات فقط، والمفهوم: حل ما عداها، وهذا يخالف نصوصا وردت فيها محرمات أخر كآية المائدة: (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)، والنهي الوارد في السنة عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، ولا يدرك السر في ذلك الحصر إلا من عرف أنواع القصر في لغة العرب، فهو لا يعني، دائما، حقيقة الحصر في المذكور، وإنما قد يكون حصرا إضافيا لا حقيقيا، فيفيد معنى بلاغيا تابعا للمعنى الأصلي، فالحصر هنا: حصر قلب، لأنه يقلب اعتقاد السامع إلى ضده، لأنهم استحلوا المذكورات فجاء النص بضد ذلك، فكأن المعنى: لا حرام إلا ما حرمتموه، مبالغة في إبطال قولهم، ولا يلزم من ذلك عدم تحريم سواها، بمنزلة من نُهِيَ عن أكل اللحم، فقال: لا آكل اليوم إلا لحما، فهو لا يقصد أنه سيأكل لحما فقط، وإنما يقصد قلب اعتقاد المتكلم مبالغة في عصيان أمره.

وكذا في قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ)، فالقصر هنا، أيضا، قصر قلب، لأنهم اعتقدوا ألوهية المسيح عليه الصلاة والسلام، فجاء النص بخلاف معتقدهم مبالغة في إبطاله، فحقيقته غير مقصودة، لأن المسيح عليه الصلاة والسلام ليس رسولا فقط، بل هو: رجل، ناطق، سامع، مبصر .......... إلخ من الأوصاف، فقصره على صفة الرسالة قلب لمعتقدهم الباطل، وهذا معنى تابع للمعنى الأصلي فلا يستقل بإدراكه، أيضا، إلا من عرف أنواع القصر.

بخلاف القصر في قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، فهو، أيضا، قصر إضافي لا حقيقي، ولكنه: قصر إفراد، لا قصر قلب، لأنهم لم يكونوا مكذبين برسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليجيء النص بخلاف معتقدهم، وإنما ظنوا أنه سيبقى حتى يدبرهم، أي يكون آخرهم، كما في حديث عمر، رضي الله عنه، فصار وصفه عندهم أنه: رسول باق بعدهم، فجاء القصر ليثبت الوصف الأول وينفي الثاني، فكأنه أفرده بالمعنى الأول دون الثاني، وهذه حقيقة: قصر الإفراد، وهو، أيضا، معنى تابع لا يدركه إلا من عرف حقيقة القصر وأنواعه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير