تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذه استنباطات لا يستقل بإدراكها آحاد المكلفين، بخلاف النصوص الدالة على مبطلات الصيام والاعتكاف ........ إلخ من الأحكام التي دل عليها ظاهر الشريعة دلالة مباشرة.

ومن هنا وقع الخلاف في جواز استنباط الأحكام التكليفية من دلالات النصوص غير المباشرة، فجوزه جماعة، ومنعه آخرون، وحجة الأولين: ما سبق من الأمثلة التي استفيدت فيها أحكام تكليفية من قبيل: صحة صوم من أصبح جنبا ....... إلخ من دلالات غير مباشرة، وحجة الآخرين: أن الأحكام التكليفية يستوي في معرفتها: العام والخاص، لأنها مناط الابتلاء، والثواب والعقاب، فناسب أن تأتي بعبارة سهلة مباشرة يستوي في إدراكها عموم المكلفين، على التفصيل السابق.

ودائرة الخلاف تضيق إذا علمنا أن غالب أحكام الشريعة، مما تمس الحاجة إلى بيانه، قد أتت بعبارات وتراكيب سهلة يسيرة يستوي في إدراكها عموم المكلفين، مصداق قوله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

وبقيت مسألة ترجمة نصوص الشريعة إلى لغات أخرى:

فقد علم أن من أغراض القرآن: كونه هداية للناس إلى ما فيه سعادتهم في الدارين، وذلك باستنباط الأحكام والإرشادات منه، وهذا يرجع في غالبه إلى المعاني الأصلية التي يشترك في إدراكها غالب المكلفين، وتقوى على الدلالة عليها جميع اللغات، كمعاني القيام والقعود والجوع والعطش ....... إلخ من المعاني الذهنية والوجدانية التي تشترك في أدائها جميع الألسنة، وهذا النوع من المعاني يمكن ترجمته واستفادة الأحكام منه، لأنه بمثابة المعنى الإجمالي الذي لا يتقيد فيه بالنص الحرفي، وبعض آخر من الأحكام والإرشادات يستفاد من المعاني الثانوية، كما في كثير من استنباطات الأئمة المجتهدين، وغالبها لا يتعلق تعلقا مباشرة بالأحكام التي يكثر وقوعها بحيث تصير الحاجة إلى بيانها بأوفى عبارة وأجلى لفظ: ماسة، فالأحكام الأصلية للعبادات والمعاملات قد وردت بعبارات واضحة يشترك في إدراكها عموم المكلفين، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

والترجمة الحرفية: إن أمكن فيها المحافظة على المعاني الأولية، فغير ممكن أن يحافظ فيها على المعاني الثانوية، لأنها مما ينفرد به اللسان العربي، دون غيره، فالتشبيه البليغ الذي حذفت فيه أداة التشبيه ووجهه، في مثل قوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)، لا يستقل لسان آخر ببيانه، ولو ترجم النص حرفيا، فاكتفي بمعناه الأولي دون التنبيه على معناه الثانوي، لصار مثارا للسخرية والتهكم.

وإلى ذلك أشار الزمخشري، عفا الله عنه، بقوله: " .............. ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة، وهي: أن يؤدي القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئاً. قالوا: وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة، لأنّ في كلام العرب خصوصاً في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة، رحمه الله، يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر، وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية". اهـ

بتصرف يسير من "الكشاف"، من تفسير قوله تعالى: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ).

وأشار إلى ذلك الشاطبي، رحمه الله، في "الموافقات" بقوله:

"إن ترجمة القرآن على الوجه الأول، يعني: بالنظر إلى معانيه الأصلية، ممكن، ومن جهته صح تفسير القرآن وبيان معانيه للعامة ومن ليس لهم فهم يقوى على تحصيل معانيه. وكان ذلك جائزا باتفاق أهل الإسلام، فصار هذا الاتفاق حجة في صحة الترجمة على المعنى الأصلي".

ومع هذا فإن ترجمة المعاني الأصلية لا تخلو من فساد فإن اللفظ الواحد في القرآن قد يكون له معنيان أو معان تحتملها الآية فيضع المترجم لفظا يدل على معنى واحد حيث لا يجد لفظا يشاكل اللفظ العربي في احتمال تلك المعاني المتعددة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير