تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دولة كانت مصلحة بدء المشركين بالقتال على الإسلام أعظم، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).

*****

وينقسم النسخ من جهة ثالثة إلى:

النسخ إلى غير بدل: كنسخ الصدقة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

بالآية التالية: (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

فقد روي بأسانيد لا تخلو من مقال، أنه لم يعمل بها إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

واعترض بعض أهل العلم على كون النسخ هنا إلى غير بدل، إذ ذلك يعارض قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، والنسخ إلى غير بدل: ليس مثل الآية المنسوخة، أو خيرا منها، وهذا قول المعتزلة، ووافقهم أهل الظاهر، واختاره من المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، في "مذكرة أصول الفقه"، وجمع بين القولين بأن النسخ إلى غير بدل هو عين الخير في هذا الموضع، فيكون موافقا لقوله تعالى: (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا)، والنسخ يتحقق برفع المنسوخ، ولا يشترط أن يكون العوض ناسخا له، فقد يرفع الدليل إلى غير بدل، ثم يعوض بدليل جديد يكون خيرا منه، وإن لم يكن ناسخا له، لاختلاف مدلوليهما، فعلى سبيل المثال: قد تنسخ آية في الصيام، إلى غير بدل، فتتحقق الخيرية في ذلك، ثم ترد آية أخرى في باب آخر من أبواب الدين كالصلاة، تكون عوضا عن المنسوخة، وإن لم تكن هي الناسخة إذ لا ينسخ الصيام بصلاة.

وقد يكون النسخ إلى بدل مماثل: كنسخ التوجه إلى بيت المقدس الثابت بالسنة العملية المتواترة، بالتوجه إلى بيت المقدس الثابت في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

وقد يكون إلى بدل أخف: كنسخ المفهوم من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، بقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)، فالتشبيه في: "كما" يقتضي منع الأكل والشرب والوطء بعد العشاء، أو إذا نام إلى الليلة التالية، كما روى ابن أبي حاتم، رحمه الله، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، فذلك منسوخ بحل الأكل والشرب والوطء في ليلة الصيام.

وهذا القسم هو الأصل في النسخ، لأن الأصل فيه أن يرد تخفيفا.

وقد يكون إلى بدل أثقل: كنسخ إباحة الخمر المستفادة من قوله تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا)، بقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).

ففي الآية الأولى: إباحة اتخاذ: "السكر" من ثمرات النخيل والأعناب، وإن عرض به بوصف الرزق بعده بالحسن دونه، فيستشف من ذلك وصفه ضمنا بعدم الحسن، وإن كان جائزا، فليس كل مباح مما تقبله كل النفوس، فقد يكون مع إباحته مما تعافه بعض النفوس.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن إباحة الخمر قبل ورود التحريم: إباحة عقلية لا شرعية فلا يكون رفعها: نسخا شرعيا كما تقدم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير