وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، بآيات المواريث، وقال بعض أهل العلم بالجمع، فتحمل آية الوصية على الوصية للوالدين إذا كانا كافرين تأليفا لقلبهما، وتحمل آيات المواريث على الوصية للوالدين المسلمين فلا تحل الوصية لهما، لأنهما يرثان.
*****
وقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، بإيجاب الصوم في قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وقال بعض أهل العلم: ليست بمنسوخة، فهي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، كما أثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، فيكون النسخ فيها جزئيا، في حق القادر، دون غير القادر: من شيخ وعجوز ويلحق بهما قياسا: المريض مرضا لا يرجى شفاؤه.
*****
وقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)، بقوله: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). فنسخ تحريم القتال في الأشهر الحرم بإباحته مطلقا.
وقيل بعدم النسخ:
فتكون الصورة من صور: تخصيص العام لا نسخه، فيكون النهي مختصا بالأشهر الحرم، والأمر مختصا بغيرها، أو يكون العموم في آية الأمر بالقتال من: العام الذي أريد به خصوص غير الأشهر الحرم.
*****
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وقيل ليست الثانية ناسخة للأولى، لأن الأولى في مقام الوصية والثانية في مقام بيان العدة.
*****
وقوله تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فارْزُقُوهُمْ مِنْهُ)، فهي منسوخة بآيات المواريث.
وقيل: نُسِخَ الوجوب لا الندب، وقال الأحناف، رحمهم الله، بـ: "الوصية الواجبة" المتعارف عليها في قانون الأحوال الشخصية في بعض الدول كمصر.
*****
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) بقوله تعالى: (الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
فَنُسِخَت مصابرة الواحد عشرةً، بمصابرة الواحد اثنين، من باب التخفيف.
فالخبر في كليهما ليس على بابه، وإلا لما صح النسخ، لأن الأخبار المحضة لا تنسخ، وإنما هو خبر أريد به الإنشاء، فمعناه الأمر بمصابرة العشرة ثم نسخ ذلك بأمر جديد بمصابرة الاثنين تخفيفا.
*****
ومن ذلك صورة ذكرها الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، في أضواء البيان: وهي ورود النسخ على الناسخ، فيكون النسخ قد تكرر مرتين، ومثل لها بقوله تعالى: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ)، فقد نسخ بالأمر بالنفرة في قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، ثم نسخ هذا الحكم في حق بعض أفراد العام، بقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)، فيكون من صور النسخ
¥