تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فـ: "المشقة تجلب التيسير"، فإذا زالت، زال الحكم، لأن: "الضرورة تقدر بقدرها" و: "الحكم يدور مع علته وجودا وعدما"، فلما زالت العلة بارتفاع المشقة وتذلل الألسنة بالقراءة، زال حكم الرخصة، بل صار ترك العمل بها واجبا درءا لمفسدة الخلاف، وممن أيد هذا الرأي، ابن عيينة وابن وهب والطبري.

يقول القرطبي رحمه الله:

"فإن قيل: فما وجه جمع عثمان الناس على مصحفه، وقد سبقه أبو بكر إلى ذلك وفرغ منه، قيل له: إن عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف، (فقد جمع أبو بكر ألفاظ الكتاب العزيز في جمعه)، ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك.

وإنما فعل ذلك عثمان لأن الناس اختلفوا في القراءات بسبب تفرق الصحابة في البلدان واشتد الأمر في ذلك وعظم اختلافهم وتشبثهم، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه.

وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة ارمينية فقرأت كل طائفة بما روى لها، فاختلفوا وتنازعوا وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم حذيفة المدينة - فيما ذكر البخاري والترمذي - دخل إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك! قال: فيماذا؟ قال: في كتاب الله، إني حضرت هذه الغزوة، وجمعت ناسا من العراق والشام والحجاز، فوصف له ما تقدم وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلف اليهود والنصارى". اهـ

بتصرف من "الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 66، 67).

ويقول، رحمه الله، في موضع آخر:

"وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي صلى الله عليه وسلم ليوسع بها على أمته، فأقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا، وعلى هذا تجئ قراءة عمر بن الخطاب لسورة "الفرقان" وقراءة هشام بن حكيم لها، وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم في كل قراءة منهما وقد اختلفا: "هكذا أقرأني جبريل" هل ذلك إلا أنه أقرأه مرة بهذه ومرة بهذه.

(تماما كالقراءات المعروفة، فاختلافها لا يعني الاختلاف في المتلو، وإنما كلٌ ورد بسنده المتواتر إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك تلك الأحرف كلها مروية عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن لما رأى الصحابة، رضي الله عنهم، المصلحة في جمع الناس على حرف واحد، تواترت القراءات به وحده، واندثرت بقية الأحرف فلا تجد لها أسانيد متواترة تجوز القراءة بها، كأسانيد القراءات المعروفة، فلا تثبت قرآنا، وإن ثبت لبعضها أسانيد صحيحة، فغايتها أن تثبت كأخبار آحاد).

ويواصل القرطبي رحمه الله:

وعلى هذا يحمل قول أنس حين قرأ: "إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلا" فقيل له: إنما نقرأ: "وأقوم قيلا".

فقال أنس: وأصوب قيلا، وأقوم قيلا وأهيأ، واحد، فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلو كان هذا لأحد من الناس أن يضعه لبطل معنى قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ".

بتصرف من "الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 63).

وعليه يحمل أيضا:

قول ابن مسعود رضي الله عنه: "قد نظرت إلى القراء فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم: هلم، وأقبل، وتعال، فاقرءوا كما علمتم، أو كما قال". اهـ

فإن كان ذلك جائزا في أول الأمر، ترخصا، فهو غير جائز الآن، فضلا عن قطعية أسانيد الصحابة، رضي الله عنهم، إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالصحابي الذي سمع القراءة من النبي صلى الله عليه وسلم: إسناده قطعي، فليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي واسطة، وإن وجد فصحابي مثله لا يحتاج إلى تعديل، فكلهم عدول، كما قرر أهل الاصطلاح، بخلاف من جاء بعدهم، فالأسانيد قد طالت، ولم تتواتر بهذه الأحرف تواترها بالحرف المجمع عليه لإجماع الصحابة على ترك القراءة بها درءا للمفسدة، كما تقدم، ولا محظور في ذلك من جهة:

أن الواجب هو تواتر النقل بغض النظر عن الحرف الذي ينقل به، فحفظ الذكر يتحقق بتواتر نقله بأي من الأحرف المنزلة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير