الأولى: أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبطها عنه الأئمة، وأثبتها عثمان، رضي الله عنه، والصحابة في المصحف، وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا، وأنها موجودة إلى الآن في المصحف كلها، وممن أيد هذا الرأي الشيخ الزرقاني، رحمه الله، في "المناهل"، فقال بأن شاهد وجود هذه الأحرف قائم وثابت، وهو أن القرآن ميسر على كل من قرأه، لا يستحيل على لسان، ولا يصعب على إنسان، وهذه هي الغاية المنشودة من وراء إنزال القرآن على سبعة أحرف، سواء عرفت بأعيانها أم لم تعرف، والأمة كلها مفتقرة إلى هذا التيسير وغير العرب أولى منهم.
والثانية: أن الموجود هو الحرف الذي جمع عثمان، رضي الله عنه، الأمة عليه، كما أشار إلى ذلك الطبري والطحاوي، رحمهما الله، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
والثالثة: وهي وسط بين الاثنتين السابقتين، وقد رجحها الشاطبي، رحمه الله، وهي أن مصحف أبي بكر، رضي الله عنه، كان مشتملا على الأحرف السبعة، وأما مصحف عثمان، رضي الله عنه، فليس فيه إلا حرف واحد.
وأخيرا: لخص الشيخ مناع في "المباحث" حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف، في ثلاث حكم:
أولا: تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين، ومن أبرز ما يدل على هذه الحكمة، حديث أبي، رضي الله عنه، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال: إني بعثت إلى أمة أميين، منهم الغلام والخادم والشيخ العاس والعجوز، فقال جبريل: فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف.
ثانيا: إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب، فتعدد مناحي التأليف الصوتي للقرآن تعددا يكافئ الفروع اللسانية التي عليها فطرة اللغة في العرب حتى يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري ولهجة قومه مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به الرسول صلى الله عليه وسلم العرب، فلم يكن إعجازا للسان دون لسان، وإنما كان إعجازا لفطرة العرب اللغوية.
ثالثا: إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فإن تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه استنباط الأحكام التي تجعل القرآن ملائما لكل عصر، ولهذا احتج الفقهاء في الاستنباط والاجتهاد بقراءات الأحرف السبعة.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 10 - 2008, 08:01 ص]ـ
ومع: مسألة القراءات:
فالقراءات: جمع قراءة، مصدر قرأ في اللغة.
وفي الاصطلاح: مذهب من مذاهب النطق في القرآن يذهب إليه إمام من أئمة القراء مذهبا يخالف غيره. مع كونه بإسناد إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تتحدد درجة القراءة تبعا لدرجته:
فأعلاها: المتواتر: وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، كما قد علم من حد المتواتر في كلام أهل العلم، وأعلى درجات التواتر: تواتر نص القرآن، فهو منقول إلينا بأسانيد متواترة تقطع بصحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الرسول الملكي جبريل عليه الصلاة والسلام عن رب العزة والجلال.
والغالب على القراءات: القراءات المتواترة.
والثاني: المشهور: وهو ما صح سنده ولم يبلغ درجة التواتر، ووافق العربية والرسم، واشتهر عند القراء فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، وذكر العلماء في هذا النوع أنه يقرأ به.
والثالث: الآحاد: وهو ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، ولم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا لا يقرأ به، ومن أمثلته: ما رواه الحاكم، رحمه الله، في "مستدركه" من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم «قرأ: (لقد جاءكم رسول من أنفَسكم)»، (بفتح الفاء)، يعني من أعظمكم قدرا.
وفيه مسلم بن خالد الزنجي، رحمه الله، وقد جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال":
"قال ابن معين: ليس به بأس، (وهذا توثيق من ابن معين، رحمه الله، ولكنه أدنى مرتبةً من التوثيق الصريح).
وقال مرة: ثقة.
وقال مرة: ضعيف.
وقال الساجى: كثير الغلط، كان يرى القدر.
وقال البخاري: منكر الحديث، (وهذا جرح شديد من البخاري، رحمه الله، كما علم من طريقته فهو لطيف العبارة في الجرح).
وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
¥