ويقال: "الحمد لله" بالرفع مبتدأ وخبر، وسبيل الخبر أن يفيد، فما الفائدة في هذا؟ فالجواب أن سيبويه قال: إذا قال الرجل الحمد لله بالرفع ففيه من المعنى مثل ما في قولك: حمدت الله حمدا، إلا أن الذي يرفع الحمد يخبر أن الحمد منه ومن جميع الخلق لله، والذي ينصب الحمد يخبر أن الحمد منه وحده لله.
وقال غير سيبويه: إنما يتكلم بهذا تعرضا لعفو الله ومغفرته وتعظيما له وتمجيدا، فهو خلاف معنى الخبر وفيه معنى السؤال". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 145).
ومنه أيضا: قوله تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ):
فقد قرئ:
"وما يخادعون": في الثانية ليتجانس اللفظان.
و: "وما يخدعون": في الثانية، وهي قراءة أهل المشرق: قراءة عاصم. واختارها الطبري، رحمه الله، لأن المخادعة: مفاعلة، والمفاعلة لا توجب إثبات الفعل، فتقول: خادعته فما انخدع، والصحيح أنهم بمحاولتهم خداع الله، عز وجل، وخداع المؤمنين، قد خدعوا أنفسهم، فقراءة "يخدعون" توجب إثبات الفعل، وهو الصحيح في حقهم.
و: "يخدعون الله" بضم الياء وإسكان الخاء وفتح الدال، على التكثير، إشارة إلى عظم جرمهم، فالزيادة في المبنى تدل على زيادة المعنى.
و: "وما يُخْدَعون"، بالبناء لما لم يسم فاعله، أي: وما يخدعون إلا عن أنفسهم، فحذف حرف الجر، كما في قوله تعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)، أي: واختار موسى من قومه.
ففي كل قراءة معنى لا يوجد في بقية القراءات.
يقول القرطبي رحمه الله:
"وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: "يخادعون" في الموضعين، ليتجانس اللفظان.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر: "يخدعون" الثاني.
والمصدر خدع (بكسر الخاء) وخديعة، حكى ذلك أبو زيد.
وقرأ مورق العجلي: "يخدعون الله" (بضم الياء وفتح الخاء وتشديد الدال) على التكثير.
وقرأ أبو طالوت عبد السلام بن شداد والجارود بضم الياء وإسكان الخاء وفتح الدال، على معنى وما يخدعون إلا عن أنفسهم، فحذف حرف الجر، كما قال تعالى: "واختار موسى قومه" [الأعراف: 155] أي من قومه". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 203).
ومنه أيضا: قوله تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ)
فقد قرئ "تُصعِدون" من الإصعاد وهو: السير في بطون الأودية والشعاب.
وقرئ "تَصعَدون" من الصعود وهو الارتفاع على الجبال.
يقول القرطبي رحمه الله:
"وقال أبو حاتم: أصعدت إذا مضيت حيال وجهك، وصعدت إذا ارتقيت في جبل أو غيره.
فالإصعاد: السير في مستو من الأرض وبطون الأودية والشعاب.
والصعود: الارتفاع على الجبال والسطوح والسلاليم والدرج.
فيحتمل أن يكون صعودهم في الجبل بعد إصعادهم في الوادي، فيصح المعنى على قراءة "تُصْعِدون" و "تَصْعَدون".
قال قتادة والربيع: أصعدوا يوم أحد في الوادي.
وقراءة أبي: "إذ تصعدون في الوادي".
قال ابن عباس: صعدوا في أحد فرارا.
فكلتا القراءتين صواب، كان يومئذ من المنهزمين مُصْعِد، (من: الإصعاد في الوادي) وصاعد، (من: صعود الجبل) ".
"الجامع لأحكام القرآن"، (4/ 211).
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)، فقد قرئ بالبناء لما لم يسم فاعله: "قُتِل" وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما.
ففي قراءة "قاتل": مفاعلة، وهي تقع على من قاتل فسلم، وقاتل فَقُتِل، بخلاف "قُتِل"، فهي لا تقع إلا على المقتول، فيكون الثناء في الآية على قراءة المفاعلة أعم، لأنه يشمل كل من حضر القتال سواء غلب أو قتل، بخلاف "قُتِلَ" فالثناء فيها مخصوص بمن صُرِع في الميدان شهيدا.
يقول القرطبي رحمه الله:
"وقرأ الكوفيون وابن عامر: "قاتل" وهي قراءة ابن مسعود، واختارها أبو عبيد وقال: إن الله إذا حمد من قاتل كان من قُتِل داخلا فيه، وإذا حمد من قُتِل لم يدخل فيه غيرهم، فقاتل أعم وأمدح". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (4/ 203).
وكذلك في قوله تعالى: (ربيون):
ففيها ثلاث قراءات:
"رُبيون" و "رِبيون": وهم الجماعات الكثيرة.
و "رَبيون": نسبة إلى الرب جل وعلا.
¥