تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الشافعي، رحمه الله، فقد نقل عنه النووي، رحمه الله، في شرح مسلم، والآمدي، عدم الاحتجاج بها، بخلاف ما نقل عنه البويطي، رحمه الله، في مختصره من أنه يوافق المالكية في الاحتجاج بها، إن صح السند إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولعل الاختلاف في النقل عنه تبع لاختلاف مذهبيه: القديم في العراق والجديد في مصر، واستدل الشافعية، رحمهم الله، على مذهبهم بعدة أدلة، منها:

أن عائشة، رضي الله عنها، حدت الرضاع المحرم، بخمس رضعات، كما جاء عند مسلم، وأبي داود، والنسائي: (كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)، فالمعنى: تأخر نسخ هذا الحكم، حتى توفي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهن فيما يقرأ، لعدم العلم بنسخهن، ويظهر من الرواية أن عائشة، رضي الله عنها، نسبت هذا الحكم إلى القرآن، والقرآن لا يسمع إلا من فِيِ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فدل ذلك على اتصال السند، وفي هذا رد على أن من أنكر هذا الحكم، محتجا بأن القرآن لا يثبت إلا متواترا، فهذا صواب، ولكنه لا يمنع من الاحتجاج بهذه القراءة، بعد أن تبين اتصال سندها، مع التسليم بأنها ليست قرآنا، وهذا مذهب عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، وإحدى الروايات عن عائشة، رضي الله عنها، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنه، وعطاء، وطاووس، والشافعي، وأحمد في ظاهر مذهبه، وابن حزم، وأكثر أهل الحديث. رحم الله الجميع.

واستدلوا أيضا بحديث: (لأقضين بينكما بكتاب الله)، حيث قضى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في واقعة الأجير الذي زنى بامرأة مستأجره، بجلده مائة وتغريبه سنة، ورجمها، إن اعترفت، والرجم، كما هو معلوم، منسوخ التلاوة، باقي الحكم، ومع ذلك نسبه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى القرآن.

وأما الماوردي، الشافعي، رحمه الله، فقد قال بأن القراءة الشاذة، قد تأتي لبيان حكم، كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (فاقطعوا أيمانهما)، فهي مبينة لقوله تعالى: (فاقطعوا أيديهما)، فهذه يحتج بها، وقد تأتي لابتداء حكم، كقراءة: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، فهذه لا يحتج بها، وهو: قول ضعيف.

وقد تعقب الشافعي، رحمه الله، لأنه لم يقل بوجوب التتابع في كفارة اليمين، مع أن ابن مسعود، رضي الله عنه، نسب ذلك إلى القرآن الكريم، في قراءة: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، ولم يقل بأن الصلاة الوسطى، هي صلاة العصر، مع أن عائشة رضي الله عنها، نسبت هذا الحكم للقرآن، في قراءة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر)، كما عند مسلم، رحمه الله، وعلى الجانب الآخر، أخذ، بقراءة: (لقبل عدتهن)، في الاستدلال على أن القرء هو الطهر، وأخذ بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (فاقطعوا أيمانهما)، وقراءة: (إن كان له أخ أو أخت من أم)، في بيان معنى الكلالة، فما الفرق، وكلها قراءات آحاد، نسبها قائلوها إلى القرآن الكريم، فَلِم عمل بالبعض وأعرض عن البعض الآخر؟.

وقد دافع الهرافي، رحمه الله، عن عدم احتجاج الشافعي رحمه الله، بقراءة: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، باحتمال أن يكون ابن مسعود، رضي الله عنه، قد تراءى له هذا الحكم أثناء القراءة، فتكون هذه القراءة، هي مذهبه، فتجري مجرى القراءة التفسيرية، ورد الأحناف رحمهم الله، على هذا الاعتراض، وهم الذين أخذوا بهذه القراءة لاشتهارها فقالوا: كيف يخلط ابن مسعود، رضي الله عنه، بين ما هو قرآن، وما هو ليس بقرآن؟، فرد عليهم الشافعية رحمهم الله، بقولهم: أنتم تقولون بأنه من المحتمل أن تكون هذه القراءة، قرآنا نسخ واندرست حروفه، وبقي حكمه، فكيف يخلط ابن مسعود بين ما هو منسوخ، وما هو غير منسوخ؟، فهو نفس اعتراضكم علينا، لأنه، على قولكم، يكون، أيضا، قد خلط بين ما هو قرآن، وما هو غير قرآن، فالمنسوخ ليس قرآنا بالإجماع، والله أعلم.

وخلاصة هذه المسألة، كما قررها الماوردي رحمه الله:أن قراءة الآحاد، يحتج بها، كخبر آحاد، في حالتين:

أولا: إن نسبها قائلها إلى القرآن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير