ثانيا: أو نسبها إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأما إذا لم ينسبها إلى القرآن، أو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنها تعامل معاملة تفسير الصحابي، وتفسيره موقوف عليه، إلا فيما كان بيانا لسبب نزول فإنه يأخذ حكم الرفع، كما هو مقرر في علم المصطلح.
وقول الصحابي حجة عند بعض العلماء إذا اشتهر ولم يعلم له مخالف فيكون السكوت عنه بمنزلة: "الإجماع السكوتي"، وقد تقرر في الأصول أن: السكوت في موضع البيان بيان، فكذلك السكوت في موضع الإنكار بيان، لأن كتمان العلم لا يجوز في حق أهل التواتر، أيا كانوا، فكيف إذا كان أهل التواتر: الصحابة، رضي الله عنهم، خير طباق الأمة.
والله أعلم.
*****
ومن فوائد القراءات عموما سواء أكانت متواترة أم آحادا:
استنباط الأحكام الشرعية منها، ومن أمثلة ذلك:
قراءة: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما)، فهي مبينة لأحد أوجه الإجمال في قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا).
وسبق ذكر بعض الأمثلة في المشاركة الماضية.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام، رحمه الله، في "فضائل القرآن": "المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها، كقراءة عائشة وحفصة: والصلاة الوسطى صلاة العصر، وقراءة ابن مسعود: فاقطعوا أيمانهما، وقراءة جابر: فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم. قال: فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن، وقد كان يروى مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن، فكيف إذا روى عن كبار الصحابة ثم صار في نفس القراءة فهو أكثر من التفسير وأقوى، (لأن له حكم خبر الآحاد، كما تقدم، وخبر الآحاد مقدم بالإجماع على الاجتهاد بالرأي في تفسير القرآن)، فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل". اهـ
بتصرف نقلا عن الإتقان للسيوطي رحمه الله.
ومن فوائدها أيضا:
استنباط الأحكام النحوية في علم النحو، ومن أمثلة ذلك:
قراءة: (من أوسط ما تطعمون أهاليكم)، بسكون الياء، فالقراءة المشهورة: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)، والقياس في: "أهاليكم"، أن تظهر علامة النصب على الياء، لخفتها، فتكون القراءة: أهالِيَكم"، كما تقول: رأيت القاضيَ، لأن الاسم المنقوص يظهر فيه النصب لخفته، فدلت هذه القراءة على وجه آخر في الاسم المنقوص، وهو: جواز إجراء النصب فيه مجرى الرفع والجر، فيكون بعلامة مقدرة، فكما تقول: جاء القاضي، ومررت بالقاضي، دون إبراز لعلامة إعراب لثقلها على الياء، تقول: رأيت القاضي دون إبراز علامة النصب كما تقدم.
بتصرف من: "منحة الجليل"، (1/ 71).
وقراءة: (من لدني)، في قوله تعالى: (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا)، بتخفيف نون: "لدني"، فقد استدل بها على جواز حذف نون الوقاية، وهي لغة قليلة، والأفصح إثباتها، كما ذكر ذلك ابن عقيل، رحمه الله، في شرح الألفية.
بتصرف من: "منحة الجليل"، (1/ 98).
وقراءة: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا)، بتشديد نون: "اللذان"، فيكون التشديد عوضا عن الياء المحذوفة في الصيغة الدالة على المفرد: "الذي".
بتصرف من: "منحة الجليل"، (1/ 119).
وقراءة: (ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)، برفع: "أحسنُ"، وهي قراءة يحيى بن يعمر، رحمه الله، فتكون شاهدا لجواز حذف صدر جملة الصلة مع غير "أي" الموصولة، وإن لم تطل، فيكون تقدير الكلام: تماما على الذي هو أحسنُ، فحذف صدر الصلة أو المبتدأ: "هو"، والقياس: عدم جواز ذلك مع غير "أي" إن لم تطل جملة الصلة.
ومثلها قراءة مالك بن دينار وابن السماك رحمهما الله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً)، برفع: "بعوضةٌ"، فتقدير الكلام: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا الذي هو بعوضة فما فوقها، فحذف: "هو"، مع قصر جملة الصلة.
ومثله قول الشاعر:
لا تنو إلا الذي خير فما شقيت ******* إلا نفوس الألى للشر ناوونا
فتقدير الكلام: إلا الذي هو خير.
وقول الآخر:
من يعن بالحمد لم ينطق بما سفه ******* ولا يحد عن سبيل المجد والكرم
فتقدير الكلام: لم ينطق بما هو سفه.
¥