تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثا: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، فتأويل ما أخبر الله به عن ذاته وصفاته هو حقيقة ذاته المقدسة وما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر، ومن ذلك:

قوله تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا)، فالتأويل في هذه الآية هو وقوع المخبر به، وهو يوم القيامة، وساعتها يندم المكذبون للرسل عليهم الصلاة والسلام ويسألون الشفاعة، ويتمنون الرجوع إلى الدنيا ليستكثروا من الصالحات، ولكن هيهات هيهات!!!.

وقوله تعالى: (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ)، فيوسف صلى الله عليه وسلم قال هذا بعد وقوع الرؤيا التي حكاها لأبيه في أول السورة.

ويشمل التأويل بهذا المعنى، أيضا، الامتثال: بالفعل إن كان أمرا، والترك إن كان نهيا، ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن، تعني قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)، فرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، امتثل الأمر بفعل مقتضاه.

وبناءا على ما سبق، يجمع بين القولين، بما يلي:

أولا: من قال بأن الواو للاستئناف، إنما عنى بذلك، المعنى الثالث للتأويل، وهو حقيقة الأمر المخبر به، لأنه غيب لا يعلمه إلا الله.

ثانيا: ومن قال بأن الواو للعطف، فأدخل الراسخين في العلم، إنما عنى المعنى الثاني، وهو التفسير، فتفسير ألفاظ صفات الله عز وجل، ومعرفة معانيها المطلقة التي تدل عليها على سبيل المثال: مما يعلمه العلماء الراسخون في العلم، وإن كانت الكيفية مجهولة، والله أعلم.

*****

ومع مسألة: أنواع المحكم:

فقد أشار إلى ذلك بعض أهل العلم فقال:

المحكم درجات في وضوحه، ومن أجل ذلك يتفاوت الناس في استيعابه كله وفهمه والإحاطة بمعانيه ومدلولاته، فهو ينقسم إلى قسمين:

أولا: الواضح الذي يستطيع كل إنسان فهمه، إذا كان عارفا باللغة العربية، وهو الوجه الأول من أوجه التفسير عند ابن عباس رضي الله عنهما: الوجه الذي تعرفه العربُ من كلامها.

ثانيا: وهناك آيات أخرى لا يدرك مدلولها إلا العلماء الواقفون على أسرار العربية، القادرون على الإفادة من قواعد الاستنباط وأصول الفقه وقواعد البلاغة، فهو عند من ألم بهذه العلوم: محكم، وعند من جهلها: متشابه، فالتشابه فيه: نسبي لا مطلق، فلفظة: "مُدْهَامَّتَانِ"، على سبيل المثال، تكون على هذا التقسيم: محكمة عند من عرف أن معناها: مخضرة شديدة الخضرة ضاربة إلى السواد، وهو معنى لا يفطن إليه كل أحد، وتكون متشابهة عند من لا يعرف معناها، فالتشابه فيها نسبي لا مطلق، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

*****

ومع مسألة: أنواع المتشابه:وهو، أيضا، درجات، كما يقول بعض أهل العلم، فبعضه أشد تشابها من بعض، وقد توسع فيه بعض العلماء، الذين يقولون بأن المتشابه يمكن معرفة معناه، حتى جعلوا، كما سبق، الكلمة الغريبة التي يكشف عن معناها في كتب غريب القرآن، أو معاجم اللغة، من المتشابه، لخفاء معناها عن كثير من الناس.

التقسيم الأول:

وقد ذكروا فيه أن المتشابه ثلاثة أنواع:

أولا: متشابه من جهة اللفظ: وهو الذي أصابه الغموض بسبب اللفظ وهو نوعان:

نوع يرجع إلى الألفاظ المفردة: وذكروا له ضربين:

ضرب يرجع إلى الغرابة: مثل (الأب) في قوله تعالى: (وفاكهة وأبا).

وضرب يرجع إلى الاشتراك اللفظي، وهو: استخدام اللفظ الواحد لأكثر من معنى على سبيل البدل فلا يدل على جميع معانيه دفعة واحدة لتباين حقائقها، كلفظ العين، على سبيل المثال، فهو يطلق على: عين الماء، وعين الإنسان، والذهب، والجاسوس، ومنه: قوله تعالى: (ثلاثة قروء)، فالقرء يطلق على الضدين (الطهر والحيض)، وبناءا عليه حدث الخلاف الشهير بين العلماء في عدة المطلقة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولا شك أن هذا الضرب، هو من المتشابه عند من توسع في إطلاق التشابه، ولعل هذا الخلاف الفقهي، هو الذي جعلهم يطلقون عليه وصف التشابه، والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير