تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"ومما تتبع الحرورية من المتشابه قول الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ويقرأون معها: (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر، ومن كفر عدل بربه فقد أشرك فهؤلاء الأئمة مشركون، فيخرجون فيفعلون ما رأيت؛ لأنهم يتأولون هذه الآية". اهـ

ومثله ضلالهم في اتباع المتشابه من آيات نفي الشفاعة، فيأخذون بقوله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)، و: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ)، ويجعلونها في حق أصحاب الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مع أنها وردت في سياق الكلام على الكفار المخلدين في جهنم، فهم الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين يوم القيامة، وهم الذين يقولون حينئذ: فما لنا من شافعين، وسياق الآية الثالثة تحديدا ينقض استدلالهم، فبعدها إثبات الشفاعة في قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)، فالشفاعة ثابتة بشرطين: إذن الله عز وجل، والرضا عن المشفوع له. فضلا عن الأحاديث التي تثبت الشفاعة لأصحاب الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي نصوص محكمة تنقض مقالتهم نقضاً. ولذلك كان من طريقتهم رد السنة بزعم الاكتفاء بالقرآن مع أن القرآن بمفرده ينقض استدلالهم!!!!

ومن سمات أهل البدع استقطاع النصوص فيأخذون بما يوافق أهواءهم ويعرضون عما ينقض مقالاتهم، فنظرتهم انتقائية، وهمهم الأول: تتبع المجملات المشتبهات والإعراض عن البينات المحكمات.

ومثلهم القدرية نفاة القدر، والجبرية، فالأولون يأخذون بقوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ)، فينفون مشيئة الرب، جل وعلا، مطلقا، والآخرون يأخذون بقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، فينفون مشيئة العبد مطلقا، ويجعلون الله، عز وجل، هو الفاعل حقيقة، والصحيح أنه: خالق العبد ومشيئته التي يختار بها دون جبر أو إكراه، ودون خروج عن مشيئة الله، عز وجل، الكونية النافذة، فمشيئة العبد تبع لها، فكلٌ قد أخذ من السياق ما يؤيد مقالته وأعرض عما ينقضها مع أن الآيتين قد وردتا في نفس السياق، ولكن النظرة الانتقائية التي تأخذ من النصوص ما يوافق هوى المستدل وتعرض عما يخالفه هي التي تغلب على مسلكهم في الاستدلال، فلم ينظروا في النصوص نظر المتجرد الطالب للحق، المفتقر إلى الهداية وإنما نظروا نظر من اعتقد رأياً وانتحل مقالة ثم راح يفتش في النصوص عما يشهد لها!!!!، وأما أهل السنة فهم وسط كعادتهم إذ أخذوا بطرفي المسألة فهم وسط بين النفاة الجفاة والمثبتتة الغلاة.

وقل مثل ذلك في أهل التعطيل الذين يتتبعون آيات النفي، فيغلون في نفي الصفات تنزيها لله، عز وجل، بزعمهم، فلا يرون إلا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، وعلى النقيض يتتبع أهل التمثيل آيات الإثبات، فيغلون في إثبات الصفات حتى يردوا على الأولين، فيجعلونها من جنس صفات المخلوقين، فلا يرون إلا الشق الثاني من الآية: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فالسمع كسمع المخلوق والبصر كبصره لمجرد الاشتراك في الاسم الكلي الجامع، فنظر كل فريق إلى الشق الذي يؤيد مقالته وأعرض عن الشق الآخر، مع أن كليهما قد جاء في سياق واحد بل آية واحدة، وأهل السنة كعادتهم جمعوا بين الشقين فسلموا من اتباع المتشابه.

وقل مثله أيضا في طريقة الغلاة من السبابة الذين يشتمون أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنهم، كما هو مشاهد في العصر الحاضر وفي كل العصور، مفتونون بتتبع زلات الصحابة، رضي الله عنهم، وتعظيمها، وطمس فضائلهم وتحقيرها، في انتقائية عجيبة تدل على اتباع صاحبها الهوى، فلا يرجى عدل أو إنصاف من أمثالهم، فالهوى يعمي صاحبه، فهم متتبعون للمتشابه من أفعال الصحابة، رضي الله عنهم، معرضون عن محكمها، ولو ردوا متشابه أفعالهم إلى محكمها لسلم لهم دينهم، ولكنهم قوم بهت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير