تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول القرطبي رحمه الله: "ثم جعل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بيان ما كان منه مجملا، وتفسير ما كان منه مشكلا، وتحقيق ما كان منه محتملا، ليكون له مع تبليغ الرسالة ظهور الاختصاص به، ومنزلة التفويض إليه، قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) ".

"الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 18).

وحديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ)

وفيه دلالة كما يقول القرطبي، رحمه الله، على أن الحديث إذا ثبت حجة بنفسه، سواء أكان ذلك في العلميات أم العمليات، فهما على حد سواء، فمتى صح الحديث فهو مذهب أهل الحق، ولا يستقل بإدراك صحة الحديث من ضعفه إلا المحدثون أهل الشأن، وأما حديث: (إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإن لم يوافقه فردوه)، فهو حديث باطل لا أصل له، كما يقول القرطبي، رحمه الله.

يقول البيهقي، رحمه الله في "معرفة السنن والآثار": "قال الشافعي فقال، (أي المخالف): هذا عندي كما وصفت فتجد حجة على من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فلم أقله» قال الشافعي فقلت له: ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير". اهـ

وقد ضعفه من المعاصرين علامة الشام: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله، في "السلسلة الضعيفة".

وقال بعض أهل العلم: عملنا بمقتضى هذا الحديث فعرضناه على كتاب الله، عز وجل، فلم يوافقه، إذ طاعته، صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الكتاب العزيز مطلقة غير مقيدة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، فوجب رده، فهو راجع على نفسه بالبطلان.

روى صاحب الإبانة الكبرى بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عمر، لعل أحدكم متكئ على أريكته ثم يكذبني، ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه، فأنا قلته، وإن لم يوافقه فلم أقله». قال ابن الساجي: قال أبي رحمه الله: هذا حديث موضوع عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وبلغني عن علي بن المديني، أنه قال: ليس لهذا الحديث أصل، والزنادقة وضعت هذا الحديث.

قال الشيخ: " «وصدق ابن الساجي، وابن المديني رحمهما الله، لأن هذا الحديث كتاب الله يخالفه، ويكذب قائله وواضعه، والحديث الصحيح، والسنة الماضية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده قال الله عز وجل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)». والذي أمرنا الله عز وجل أن نسمع ونطيع، ولا نضرب لمقالته عليه السلام المقاييس، ولا نلتمس لها المخارج، ولا نعارضها بالكتاب، ولا بغيره، ولكن نتلقاها بالإيمان والتصديق والتسليم إذا صحت بذلك الرواية". اهـ

والبيان منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ضربين:

الأول: بيان مجمل القرآن: كبيان مجمل آيات الصلاة والزكاة، وقد فرع منه بعض أهل العلم: تخصيص العام، وتقييد المطلق ....... إلخ من صور البيان، فجعل كلا منها قسما مستقلا، والخطب يسير، فهي تقسيمات اصطلاحية مؤداها واحد، فالسلف، رحمهم الله، كانوا يطلقون المجمل على كل ما احتاج إلى غيره في بيانه، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، فيدخل فيه: العام المخصوص، لأن الخاص يقضي على العام، لقطعية الأول وظنية الثاني، والمطلق المقيد، فالقيد بيان، والظاهر المؤول، فالتأويل إذا استند إلى قرينة معتبرة رافع لإبهام الظاهر، إذ قصد به المعنى الراجح بادي الرأي، ولكن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير