تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعينه، فالظاهر في الآية الأولى: بسيط مجرد عن القرائن، والظاهر في الآية الثانية: مركب مقيد بقرينة صارفة كما تقدم، ودلالته على المعنى المراد في كل منهما دلالة قطعية محكمة لا تشابه فيها، فكل بحسب سياقه الذي ورد فيه.

والقرينة العقلية، التي اعتمدها المتكلمون في تأويل الصفات، لا عمل لها في باب الأخبار أصلا، إذ مدار الأخبار على عدالة الناقل، اللهم إن كان الخبر مستحيلا، كالجمع بين الضدين، أو الإخبار بخلاف ما تواتر النقل بخلافه، كالإخبار بهزيمة المسلمين في غزوة بدر، فإن هذا الصنف من الأخبار باطل في نفسه، بخلاف الأخبار التي لا يحيلها العقل، فيدرك معناها، وإن كان يحتار في معرفة كنهها، كغالب أخبار الغيب من أشراط الساعة ونعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار وصفات الباري، عز وجل، فإن العقل، وإن أدرك المعاني الكلية لها، إلا أنه لا يطيق إدراك كنهها لقصور مداركه، فله حد ينتهي عنده، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

فصار:

إجراء اللفظ على ظاهره المتبادر إلى الذهن بلا قطع له عن سياقه الذي ورد فيه.

وإبطال القرينة العقلية في الغيب الذي لا يدركه العقل كنهه وإن أدرك معناه.

صار هذان الضابطان أصلا في باب الغيبيات تنحل بهما شبه التمثيل والتكييف التي تنفر منها نفوس الموحدين.

العلاقة بين التفسير والتأويل:

إما أن تكون الترادف إن قصد بهما بيان معنى اللفظ.

وإما أن تكون التباين إن قصد بالتفسير بيان معنى اللفظ، وبالتأويل: حقيقة الشيء خبرا أو إنشاء على التفصيل المتقدم.

وقال بعض أهل العلم: التفسير: ما وقع مبينا في الكتاب أو صحيح السنة، والتأويل ما استنبطه العلماء، ولذلك قال بعضهم: التفسير يتعلق بالرواية، والتأويل يتعلق بالدراية، كما أشار إلى ذلك السيوطي، رحمه الله، في "الإتقان".

فتكون العلاقة بينهما أيضا: التباين من جهة اعتماد الأول على النقل والأثر، والثاني على العقل والنظر.

وقال بعض أهل العلم: التفسير يتعلق باللفظ مفردا، والتأويل يتعلق بالسياق كاملا.

فتكون العلاقة أيضا: التباين، وإن اشتركا من جهة بيان المعنى في كليهما، فهو في الأول: جزئي، وفي الثاني: كلي.

وقال بعض أهل العلم: التفسير يكون في الكتب الإلهية وغيرها من النصوص، بينما التأويل يقتصر على الكتب الإلهية، فتكون العلاقة بينهما: العموم والخصوص المطلق، فدائرة التفسير أوسع من دائرة التأويل، فكل تأويل تفسير ولا عكس.

ومن مباحث هذا الباب:

خطورة التأويل بلا ضابط:

وهو أصل في الفرقة، وما ظهر الخلاف وانقسمت الأمة بعد مقتل عثمان، رضي الله عنه، إلا بسبب ذلك، فالخوارج الضلال ما خرجوا على أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلا متأولين نصوصَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أداهم ذلك إلى قتل خير هذه الأمة بعد رسولها صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه: الصديق والفاروق رضي الله عنهما!!!.

ثم عاودوا الكرة زمن أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، فقتلوا رابع المبشرين بالجنة من هذه الأمة أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر!!!.

ويعجب الناظر في حالهم: فهم أصحاب زهد وعبادة، ولكنهم أصحاب جهل مركب، سلكوا الطريق بلا علم يعصمهم، فغلوا في دين الله، عز وجل، فكان منهم ما كان من الإفساد في الأرض وسفك الدم الحرام انتصارا لدين الله عز وجل!!.

يقول الآجري رحمه الله:

"لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا، واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين، وقد حذرنا الله تعالى منهم، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان". اهـ

بتصرف يسير من: "الشريعة"، ص23.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير