وعن تأويلات المبتدعة من سبابي الصحابة، رضي الله عنهم، فحدث ولا حرج!!!، فهم قوم قد نذروا أنفسهم للطعن في عرض الصحب الكرام، رضي الله عنهم، بتلفيق الأخبار تارة، وهذا الغالب عليهم، أو بتأويل أفعالهم بحملها على أسوأ المحامل، فيفتشون عن متشابه أفعالهم ليردوا بها محكمها، وهذا، أيضا، من صور التأويل الفاسد الذي جنى صاحبه على نفسه بضرب النصوص بعضها ببعض بدلا من الجمع بينها برد متشابهها إلى محكمها، فحاله حال الذباب الذي لا يقع إلا على كل قيح وقذر، فلا يرون في الثوب الناصع إلا البقع، ولا يجنون من الثمر إلا السقط.
ومن ذلك أيضا:
تأويلات المتكلمين الذين يعارضون الوحي بعقولهم، كالمعتزلة قديما، والعقلانيين والعلمانيين حديثا.
وعنهم يقول الآجري رحمه الله:
"والمعتزلة يخالفون هذا كله، لا يلتفتون إلى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إلى سنن أصحابه رضي الله عنهم وإنما يعارضون بمتشابه القرآن، وبما أراهم العقل عندهم، وليس هذا طريق المسلمين وإنما هذا طريق من قد زاغ عن طريق الحق وقد لعب به الشيطان، وقد حذرنا الله، عز وجل، ممن هذه صفته، وحذرناهم النبي صلى الله عليه وسلم وحذرناهم أئمة المسلمين قديما وحديثا". اهـ
"الشريعة"، ص274.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"إن هؤلاء المعارضين للوحي بالعقل بنوا أمرهم على أصل فاسد وهو أنهم جعلوا أقوالهم التي ابتدعوها وجعلوها أصول دينهم ومعتقدهم في رب العالمين هي المحكمة وجعلوا قول الله ورسوله هو المتشابه الذي لا يستفاد منه علم ولا يقين فجعلوا المتشابه من كلامهم هو المحكم والمحكم من كلام الله ورسوله هو المتشابه ثم ردوا تشابه الوحي إلى محكم كلامهم وقواعدهم وهذا كما جعلوا ما أحدثوه من الأصول التي نفوا بها صفات الرب جل جلاله ونعوت كماله ونفوا بها كلامه وتكليمه وعلوه على عرشه ورؤيته في الدار الآخرة محكما وجعلوا النصوص الدالة على خلاف تلك القواعد والأصول متشابهة يُقضى بتلك القواعد عليها وترد النصوص إليها فتارة يحرفون النصوص عن مواضعها ويسمون ذلك التحريف تأويلا في اللفظ وتنزيها في المعنى وتارة يقول من تجمل منهم فأحسن أراد الله ورسوله من هذه النصوص أمورا لا نعرفها ولا ندري ما أراد وتارة يقولون قصد خطاب الجمهور فأفهمهم الأمر على خلاف حقيقته لأن مصلحتهم في ذلك ................ ". اهـ
فإما تأويل، وإما تفويض لازمه تجهيل الوحي، وإما خطاب جمهوري، وكأن الرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا كساسة عصرنا يكذبون على الرعية استصلاحا لها!!!!.
وقانونهم المطرد في ذلك كما ذكر ابن القيم رحمه الله:
"إذا احتج عليكم أهل الحديث بالقرآن فغالطوهم بالتأويل، وإذا احتجوا بالأخبار فقابلوها بالتكذيب". اهـ
فالقرآن لا يقدر أحد على التشكيك في ثبوت ألفاظه، فليطعن فيه إذن من جهة معانيها، بينما الأخبار يمكن ردها بحجة كذبها أو ضعفها، فما أسهل أن يقال بأنها: أخبار موضوعة!!!، وإن كان الحديث في أعلى درجات الصحة، والمكذب به من أجهل الناس بكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم!!!.
ويفصل ابن القيم، رحمه الله، في موضع ثالث أنواع تأويلاتهم الفاسدة فيقول:
"إن التأويل يتجاذبه أصلان: التفسير والتحريف، فتأويل التفسير هو الحق وتأويل التحريف هو الباطل فتأويل التحريف من جنس الإلحاد فإنه هو الميل بالنصوص عن ما هي عليه إما بالطعن فيها أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها وكذلك الإلحاد في أسماء الله تارة يكون بجحد معانيها حقائقها وتارة يكون بإنكار المسمى بها وتارة يكون بالتشريك بينه وبين غيره فيها فالتأويل الباطل هو إلحاد وتحريف وإن سماه أصحابه تحقيقا وعرفانا وتأويلا.
¥