عادل، وإما ظالم، فالسابق المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات. والظالم آكل الربا أو مانع الزكاة. والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا، وأمثال هذه الأقاويل.
فكل قول فيه ذكر نوع داخل في الآية ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له وتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطلق، والعقل السليم يتفطن للنوع، كما يتفطن إذا أشير له إلى رغيف، فقيل له: هذا هو الخبز". اهـ
ولذلك كان من أبطل صور الاستدلال: تخصيص العام بفرد من أفراده بلا مخصص معتبر، كمن يخصص نصا في عموم مدح أو ذم بفرد بعينه سواء أكان سببَ النزول، أم لم يكن، وإنما حمل الآية على مدلوله حملا، وغاية ما يقال في ذلك إن صح سبب النزول:
أن دخول ذلك الفرد الذي نزل النص فيه في عموم النص: قطعي فلا يخرج بتخصيص أو نسخ، بخلاف بقية الأفراد فدخولها في العام: دخولٌ ظني يحتمل التخصيص إذ الأصل في دلالة العام على أفراده: الظنية، ولذلك كان الخاص قاضيا عليه لأن دلالة الخاص: قطعية، والقطعي يقضي على الظني لأنه أقوى من جهة الدلالة.
أو يقال: إن كان التخصيص جائزا فهو تخصيص بصورة السبب، لا بعينه، فيعم كل من تحققت فيه العلة التي شرع الحكم لأجلها، كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ)، فالعموم مخصوص بصورة من ورد فيه، وهو ذلك الرجل الذي شق عليه الصوم في السفر، فلا يقال بأن النص خاص بعينه، ولا يقال بالعموم المطلق، وإنما العموم مقيد بكل من تحققت فيه علة ورود النص وهي: وجدان المشقة في الصوم أثناء السفر.
ومنه قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ):
يقول القرطبي رحمه الله: "وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها) قال: (الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبد القيس في الأرض) ". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (4/ 112).
فالنص على الأنصار وعبد القيس هو من باب التمثيل لأفراد العام فلا يخصصه، إذ قد أطاع الله، عز وجل، غير الأنصار وعبد القيس، فأطاع المهاجرون، وأطاع أهل الأمصار المفتوحة، وأتباع الأنبياء السابقين، بل إن الآية تعم كل مؤمن أطاع أمر الله، عز وجل، الشرعي إلى يوم القيامة.
وقوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ):
يقول القرطبي رحمه الله:
"اختلفوا في التعيين، فقال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة.
قلت، (أي: القرطبي رحمه الله): وقول ابن عباس هذا رواه مالك بن سليمان الهروي أخو غسان عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" قال: (يعني تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة) ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب (صاحب تاريخ بغداد المتوفى سنة 463 هـ).
وقال فيه: منكر من حديث مالك.
قال عطاء: تبيض وجوه المهاجرين والأنصار، وتسود وجوه بني قريظة والنضير.
وقال أبي بن كعب: الذين اسودت وجوههم هم الكفار، وقيل لهم: أكفرتم بعد إيمانكم لإقراركم حين أخرجتم من ظهر آدم كالذر. هذا اختيار الطبري.
الحسن: الآية في المنافقين.
قتادة: هي في المرتدين.
عكرمة: هم قوم من أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم مصدقين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فلما بعث عليه السلام كفروا به، فذلك قوله: "أكفرتم بعد إيمانكم". وهو اختيار الزجاج.
مالك بن أنس: هي في أهل الأهواء.
أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم: هي في الحرورية.
وفي خبر آخر أنه عليه السلام قال: "هي في القدرية"". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (4/ 146).
¥