يقول النيسابوري رحمه الله: "والتحقيق أن كل من حصل في حقه هذه الصفة يكون داخلا في الآية، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب". اهـ
وقوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ):
يقول أبو السعود رحمه الله: "وقيلَ: نزلتْ في الأخنسِ بْنِ شُرَيقٍ فإنَّهُ كانَ ضارياً بالغِيْبةِ والوقيعةِ، وقيلَ: في أميةَ بنِ خَلَفٍ، وقيلَ: في الوليدِ بْنِ المغيرةِ واغتيابه لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم غضةً مِنْ جنابِه الرفيعِ واختصاصُ السببِ لا يستْدِعي خصوصَ الوعيدِ بهمِ بلْ كلُّ منْ اتصفَ بوصفهِم القبيحْ فلَهُ ذنوبٌ منْهُ مثلُ ذنوبِهم". اهـ
وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ):
يقول أبو السعود رحمه الله: "قيل: نزلت في الأخنس بنِ شُرَيقٍ الثقفي وكان حسنَ المنظر حلوَ المنطق يوالي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويدعي الإسلامَ والمحبة وقيل: في المنافقين". اهـ
فذكر الأخنس، أو: المنافقين، لا يعني قصر الحكم عليهما بل هو عام في كل من تحقق فيه الوصف المذكور في الآية، فيكون ذكرهما من باب التمثيل للعام: "من" الموصولة في: (من يعجبك).
وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ):
فقد ورد أنها نزلت في صهيب الرومي، رضي الله عنه، وقيل: في علي، رضي الله عنه، كما في ذكر ذلك الثعلبي، رحمه الله، في تفسيره، وقد حكم ابن تيمية، رحمه الله، في "منهاج السنة"، على هذه الرواية بالوضع، وردها من وجوه، وقد علم تساهل الثعلبي، رحمه الله، في رواية كل ما وقع له، وإلى ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:
"أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة وكأمثال ذلك ولهذا يقولون هو كحاطب ليل وهكذا الواحدي تلميذه وأمثالهما من المفسرين زيادة ينقلون الصحيح والضعيف ولهذا لما كان البغوي عالما بالحديث أعلم به من الثعلبي والواحدي وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي لم يذكر في تفسيره شيئا من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي مع أن الثعلبي فيه خير ودين لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث زيادة ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال". اهـ
وسواء قيل بنزولها في صهيب أو علي، رضي الله عنهما، فإن ذكرهما قائم مقام التمثيل لعموم الاسم الموصول: "من يشري"، فلا يخصصه.
وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا).
يقول القرطبي رحمه الله:
"روى يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم، لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم، فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة، فأنزل الله تعالى في ذلك: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما أنزل إليك) يعني المنافق، (وما أنزل من قبلك) يعني اليهودي، (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) إلى قوله: (ويسلموا تسليما) وقال الضحاك: دعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وهو (الطاغوت). ورواه أبو صالح عن ابن عباس"
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 231).
¥