تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال عروة بن الزبير: نزلت في النجاشي وأصحابه ووجه باثني عشر رجلا فجلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو جهل وأصحابه قريبا منهم، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما قاموا من عنده تبعهم أبو جهل ومن معه، فقال لهم: خيبكم الله من ركب، وقبحكم من وفد، لم تلبثوا أن صدقتموه، وما رأينا ركبا أحمق منكم ولا أجهل، فقالوا: (سلام عليكم) لم نأل أنفسنا رشدا، (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) ". اهـ

فتعدد الأقوال في سبب نزول الآيات بتعدد من قيل بأنها نزلت فيه: دليل على عدم اختصاصها بأفراد بعينهم، وإنما هي في حق نوع من البشر تحقق فيهم وصف الكتابيين ابتداء، والمسلمين انتهاء، فوقع لهم الأجران، وفي البخاري من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا: (ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ).

ومنه قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ):

فقد ورد في سبب نزولها: أنها نزلت في بني سلمة لما أرادوا النقلة إلى قرب المسجد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، مرفوعا: (إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ فَلَا تَنْتَقِلُوا)، كما عند الترمذي رحمه الله.

ولا يمنع خصوص السبب من إعمال عموم اللفظ، فإن آثار العباد لا تقتصر على خطاهم إلى المساجد بل تعم كل آثارهم سواء أكانت أمورا محسوسة، كالخطى والبنايات و .............. إلخ، أم أمورا معلومة كصنوف العلوم التي خلفها العلماء، وعند مسلم، رحمه الله، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)، فتلك أيضا من: آثار العباد.

وعلى النقيض قد يترك المرء آثارا سيئة فتكون: سيئة جارية يناله حظه منها، كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا)، وحديث: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)، أصل في هذا الباب.

فتحصل أن سبب النزول لا يعدو كونه فردا من أفراد الآثار التي يتركها المكلف حسنة كانت أو سيئة، فمن فسر الآية بسبب النزول فقد فسرها بأحد أفراد عمومها، وهو الأولى، إذ التزام النص: تأصيلا وتمثيلا، أولى، وإن كان غيره صحيحا، ومن ذكر في تفسير عمومها: أفرادا أخرى، فتفسيره صحيح، لأن الاختلاف في التمثيل لأصل واحد من باب: اختلاف التنوع السائغ.

وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: " {وَءاثَارَهُمْ} التي أبقوها من الحسناتِ كعلمٍ علمُوه أو كتابٍ ألَّفُوه أو حبيسٍ وقفُوه أو بناءٍ بنوَه من المساجدِ والرِّباطاتِ والقناطرِ وغيرِ ذلك من وجوهِ البرِّ ومن السَّيئاتِ كتأسيسِ قوانينِ الظُّلمِ والعُدوانِ وترتيبِ مبادِىء الشَّرِّ والفسادِ فيما بين العبادِ وغيره ذلكَ من فُنون الشُّرور التي أحدثُوها وسنُّوها لمن بعدهم من المُفسدين. وقيل هي آثارُ إلى المشَّائينَ إلى المساجدِ ولعلَّ المرادَ أنَّها من جُملةِ الآثارِ". اهـ

ومنه قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).

فقد نزلت في أحبار يهود: كانوا يأمرون الأنصار بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكفرون به.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير