تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال بعض أهل العلم: كانوا يحضون على الطاعة ويواقعون المعاصي.

وقال آخرون: كانوا يأمرون بالصدقة ويبخلون.

وكل هذه المعاني صحيحة، فالاختلاف: اختلاف تنوع، فلا يمتنع الجمع بينها.

يقول القرطبي رحمه الله: "قال ابن عباس: كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ولذي قرابته ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين اثبت على الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل يريدون محمدا صلى الله عليه وسلم فإن أمره حق فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.

وعن ابن عباس أيضا: كان الأحبار يأمرون مقلديهم وأتباعهم باتباع التوراة وكانوا يخالفونها في جحدهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن جريج كان الأحبار يحضون في طاعة الله وكانوا هم يواقعون المعاصي وقالت فرقة كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون والمعنى متقارب". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 354).

ومنه قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)

فقد ورد أنها نزلت في ثابت بن رفاعة، رضي الله عنه، وكان في حجره ابن أخيه، فجاء يسأل: ماذا أنفق عليه، ومتى أدفع إليه ماله.

فلا يقال بأن سبب النزول يخصص عموم اللفظ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وغاية ما هناك أن يقال: التخصيص: تخصيص نوع لا فرد، فيخص بصورة السبب لا بعينه، وهذا نوع عموم يشمل السبب وما وجدت فيه علة الحكم من بقية الصور، فعموم العلة، مع كونه معنويا والأصل في العموم أن يكون لفظيا، إلا أنه قد يفيد في بيان تعدي الحكم إلى غير صورة السبب.

ومنه قوله تعالى: (وَلَتَسمعُنّ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذينَ أشْركُوا أذىً كثِيراً)

فقد نزلت في عدو الله: كعب بن الأشرف الذي آذى الله ورسوله وحرض على حربهما، وشبب بنساء المسلمين.

فيقال والله أعلم: الأمر بالصبر في آخر الآية: منسوء، فإذا كانت المصلحة في التجاوز تعين الصفح، وإن كانت المصلحة في الأخذ بالذنب تعين العقاب، والمصلحة الشرعية المعتبرة أصل في هذا الباب، فلا يؤمر بمعروف يكون ذريعة إلى منكر أعظم، ولا ينهى عن منكر إلا إذا غلب على ظن الناهي ارتفاع المنكر، أو زواله قدر الاستطاعة مع عدم فوات مصلحة أعظم، أو وقوع منكر أعظم، لأن الفقه: دفع أعظم المفسدتين بأصغرهما، لا استجلاب العظمى برفع الصغرى، فإن ذلك ليس من الفقه في شيء.

فإذا تقرر ذلك بان أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكعب داخل في الآية دخولا قطعيا، وغيره ممن آذى المسلمين وكانت المصلحة في قتله: داخل في عموم لفظ الآية إما دخولا أوليا، وإما دخولا ثانويا بالقياس على صورة السبب، فلا يقال بأن السبب مخصص لعموم النص فلا يجري حكم الآية إلا على كعب.

ومنه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)

فقد نزلت في قريش لما أجمعت أمرها واستنهضت رجالها لحرب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يقال بأن الآية خاصة بقريش بل هي عامة في كل من نصب العداء للإسلام وأهله.

يقول ابن هشام رحمه الله:

"لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ، وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ مُحَمّدًا قَدْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير