تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"شرح مقدمة أصول التفسير"، ص33.

وخالف بعض أهل العلم في ذلك، بل جعله ابن تيمية، رحمه الله، قول جمهور فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة، رحم الله الجميع، فقالوا بجواز حمل المشترك على معنييه، إذا احتمل السياق كليهما.

&&&&&

ومن صور الاشتراك التي أشار إليها شيخ الإسلام، رحمه الله، في "رسالة أصول التفسير":

الاشتراك في الضمائر:

في نحو قوله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى).

فمرجع الضمائر في "دنا" و: "تدلى" و: "كان": يحتمل: الله، عز وجل، فيكون دنوه على الوجه اللائق بجلاله بكيفية لا تدركها عقولنا وإن كانت تدرك معناها الكلي المطلق، ويحتمل: جبريل عليه الصلاة والسلام.

وكذلك الضمائر في قوله تعالى: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى):

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"فعلى ما ذكرناه، (من كون الضمائر في قوله تعالى: " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" ترجع إلى جبريل عليه السلام)، يكون قوله: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} معناه: فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى. أو: فأوحى الله إلى عبده محمد ما أوحى بواسطة جبريل وكلا المعنيين صحيح". اهـ

فالضمير في: "أوحى": يحتمل بدلالة الاشتراك الرجوع إلى: جبريل عليه الصلاة والسلام، فيكون راجعا إلى أقرب مذكور، على القول بأن الضمائر في قوله تعالى: "ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" ترجع إلى جبريل عليه السلام.

ويحتمل الرجوع إلى الله، عز وجل، على القول بأن الضمائر في قوله تعالى: "ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" ترجع إلى الله عز وجل.

وعند النظر في تلك الضمائر يتبين أنه لا مانع من حمل الاشتراك فيها على معنييه، فيصح أن يكون الدنو: دنو جبريل، عليه السلام، أو دنو الله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله.

ويصح أن يكون الوحي من:

جبريل عليه السلام بوصفه الواسطة بين الله، عز وجل، ورسله، على وزان قوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)، وقوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)، وكلام الرسول إنما هو كلام مرسِله، فليس له من الأمر شيء إلا بلاغ ما أمر بتبليغه.

أو من: الله، عز وجل، بتكليمه نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة المعراج كما في حديث فرض الصلاة خمسين وتخفيفها إلى خمس.

وأما الضمير في: "عبده" على كلا المعنيين فإنه راجع إلى الله، عز وجل، فلا اشتراك فيه، لدلالة السياق على ذلك بداهة، إذ العبودية العامة: عبودية الذل والتسخير، عبودية الانقياد للأمر الكوني العام، لا تكون إلا لله، عز وجل، فكيف بعبودية الخاصة: عبودية العباد الذين انقادوا للأمر الشرعي الخاص، بل كيف بعبودية خاصة الخاصة: عبودية الرسل عليهم الصلاة والسلام، أعلم الناس بربهم، عز وجل، وأعظم الناس انقيادا لأمره الشرعي، وأعلمهم به وأعظمهم انقيادا لشرعه خاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ? [الانشقاق: 6]، فالضمير في "ملاقيه"، إما أن يكون راجعا إلى الله، عز وجل، أو إلى "الكدح"، فيكون دالا عليهما دلالة المشترك على أحد معنييه. ولا مانع هنا، أيضا، من الجمع بينهما لعدم التعارض.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"وقوله: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} أي: ساع إلى ربك سعيا، وعامل عملا {فَمُلاقِيهِ} ثم إنك ستلقى ما عملتَ من خير أو شر.

ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي، عن الحسن بن أبي جعفر، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال جبريل: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير