ومن الناس من يعيد الضمير على قوله: {رَبِّك} أي: فملاق ربك، ومعناه: فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك. وعلى هذا فكلا القولين متلازم". اهـ
فرجوع الضمير إلى: (ربك) رجوع إلى أقرب مذكور، ورجوع الضمير إلى: "الكدح" رجوع إلى غير أقرب مذكور.
وقوله تعالى: ?لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ?، ثم قال: ?وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ? [الفتح: 9]
فالضمير في: ? وَتُسَبِّحُوهُ ? راجع إلى الله، عز وجل، بلا خلاف، بينما الضمير في "تعزروه" و "توقروه"، إما أن يكون راجعا إلى الله، عز وجل، أو إلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ولا مانع، هنا، أيضا، من الجمع بين المرجعين في: "تعزروه" و "توقروه" فكلاهما يصح إطلاقه في حق الله، عز وجل، وفي حق نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخلاف مرجع الضمير في: "تسبحوه" فإنه راجع إلى الله، عز وجل، قولا واحدا، إذ التسبيح، كما تقدم، لا يكون إلا لله، عز وجل.
وقوله تعالى: ?وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ?، ثم قال: ?مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ? [الحج: 78]، فالضمير "هو"، إما أن يرجع على الله، عز وجل، وإما أن يرجع على إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ).
فالضمير في: "يرضوه" إما أن يكون راجعا إلى الله، عز وجل، فيكون راجعا إلى غير أقرب مذكور وإما أن يكون راجعا إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيكون راجعا إلى أقرب مذكور، ولا إشكال في الجمع بين المعنيين لتلازمهما، فطاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من طاعة الله، عز وجل، وفي التنزيل: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ).
ومنه قوله تعالى: (إنا أنشأنهن إنشاء):
قال قتادة رحمه الله: هو راجع إلى الحور العين المذكورات قبل، أي في قوله تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ). واستبعده ابن هشام، رحمه الله، لأن تلك قصة قد انقضت جملة، وقد يقال برجوعه إليهن من باب: رجوع الضمير إلى غير مذكور لنباهة ذكره، وقال أبو حيان، رحمه الله، هو راجع إلى الفرش في قوله تعالى: (وفرش مرفوعة)، والمقصود بالفرش إما:
النساء، فيكون الضمير عائدا على الفرش، وإن أريد بها المجاز وهو: النساء، فيقال فلانة فراش فلان.
وإما ذات الفرش، فيكون المراد هو النساء، أيضا، من باب إطلاق المحل، وهو الفرش، وإرادة الحال فيه، وهو: النساء، فيكون مجازا مرسلا علاقته: المحلية، أو من باب المجاورة، لأن النساء يجاورن الفرش، فيكون مجازا مرسلا علاقته: المجاورة.
ولا مانع هنا أيضا، من رجوع الضمير على كليهما لتلازمهما.
ومنه قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
فالضمير في "إليه" راجع إلى:
الحق: فهو الذي يُهْدى إليه، فيكون راجعا إلى المعنى المفهوم من إنزال النور المبين، في الآية السابقة، ولازمه الهداية، فهو على هذا القول: راجع إلى غير أقرب مذكور.
أو القرآن: فالهداية إليه مراد الشارع، عز وجل، فيكون الضمير في هذا القول: راجعا إلى غير أقرب مذكور، أيضا، وهو منطوق الآية السابقة: "نورا مبينا".
أو: الفضل المذكور قبله مباشرة في قوله تعالى: (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ)، فيكون راجعا في على القول إلى أقرب مذكور.
أو: الله، عز وجل، بتقدير: ويهديهم إلى ثواب الله، أو فضل الله، ومن ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه مضمرا، وهذا القول يرجع تأويله، عند التحقيق، إلى القول السابق.
فصار الضمير مشتركا من جهة تعدد الأقوال في مرجعه، ولا مانع من الجمع بينها، فيكون المشترك في هذا السياق عاما يدل على جميع معانيه.
وإلى ذلك أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:
"والهاء في "إليه" قيل: هي للقرآن.
¥