وقيل: للفضل، وقيل: للفضل والرحمة، لأنهما بمعنى الثواب.
وقيل: هي لله عز وجل على حذف المضاف كما تقدم من أن المعنى ويهديهم إلى ثوابه.
قال أبو علي: الهاء راجعة إلى ما تقدم من اسم الله عز وجل، والمعنى ويهديهم إلى صراطه". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (6/ 24)
ومنه أيضا:
قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)
فقد اختلف في مرجع الضمير في "به" على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه عيسى عليه السلام.
والثاني: أنه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيكون راجعا على غير مذكور.
والثالث: أنه الله، عز وجل، فيكون، أيضا، على هذا القول راجعا على غير مذكور.
ولا مانع من الجمع بين هذه الأقوال إذ لا تعارض بينها، فالإيمان برسالة عيسى عليه الصلاة والسلام لازمه: الإيمان بمرسِله، عز وجل، والإيمان بما بشر به من صفة النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
واختلف، أيضا، في مرجع الضمير في "موته" على قولين:
الأول: أنه الكتابي الذي يؤمن بعيسى عليه الصلاة والسلام عند معاينة الملك فلا ينفعه إيمانه.
والثاني: أنه عيسى عليه السلام، فكل كتابي بعد نزوله يؤمن برسالته.
وإلى هذه الأقوال أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:
"قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة: المعنى ليؤمنن بالمسيح: "قبل موته" أي الكتابي، فالهاء الأولى عائدة على عيسى، والثانية على الكتابي، وذلك أنه ليس أحد من أهل الكتاب اليهود والنصارى إلا ويؤمن بعيسى عليه السلام إذا عاين الملك، ولكنه إيمان لا ينفع، لأنه إيمان عند اليأس وحين التلبس بحالة الموت، فاليهودي يقر في ذلك الوقت بأنه رسول الله، والنصراني يقر بأنه كان رسول الله .............
وقيل: إن الهاءين جميعا لعيسى عليه السلام، والمعنى ليؤمنن به من كان حيا حين نزوله يوم القيامة، قاله قتادة وابن زيد وغيرهما واختاره الطبري.
وروى يزيد بن زريع عن رجل عن الحسن في قوله تعالى: "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته" قال: قبل موت عيسى، والله إنه لحي عند الله الآن، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون، ونحوه عن الضحاك وسعيد بن جبير.
وقيل: "ليؤمنن به" أي بمحمد عليه السلام وإن لم يجر له ذكر، لأن هذه الأقاصيص أنزلت عليه والمقصود الإيمان به، والإيمان بعيسى يتضمن الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، أيضا، إذ لا يجوز أن يفرق بينهم.
وقيل: "ليؤمنن به" أي بالله تعالى قبل أن يموت ولا ينفعه الإيمان عند المعاينة.
والتأويلان الأولان أظهر". اهـ
بتصرف من: "الجامع لأحكام القرآن"، (6/ 10، 11).
ومنه مرجع الضمير في "يقولون" في قوله تعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا)
فإنه يحتمل:
الرجوع إلى الملائكة، وهو الأظهر من جهة رجوع الضمير إلى أقرب مذكور: "الملائكة".
ويحتمل أيضا: الرجوع إلى المشركين.
وإليه أشار ابن كثير، رحمه الله، بقوله:
" {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} أي: وتقول الملائكة للكافرين حَرَام محرم عليكم الفلاح اليوم ............
والغرض أن الضمير في قوله: {وَيَقُولُونَ} عائد على الملائكة. هذا قول مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطية العوفي، وعطاء الخراساني، وخُصَيف، وغير واحد. واختاره ابن جرير.
وقد حكى ابن جرير، عن ابن جُرَيْج أنه قال: ذلك من كلام المشركين: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ}، أي: يتعوذون من الملائكة؛ وذلك أن العرب كانوا إذا نزل بأحدهم نازلة أو شدة يقولون: {حِجْرًا مَحْجُورًا}.
وهذا القول - وإن كان له مأخذ ووجه - ولكنه بالنسبة إلى السياق في الآية بعيد، لا سيما قد نص الجمهور على خلافه. ولكن قد روى ابنُ أبي نَجِيح، عن مجاهد؛ أنه قال في قوله: {حِجْرًا مَحْجُورًا} أي: عوذاً معاذا ً. فيحتمل أنه أراد ما ذكره ابن جريج. ولكن في رواية ابن أبي حاتم، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد أنه قال: {حِجْرًا مَحْجُورًا} أي: عوذا معاذا، الملائكة تقُوله. فالله أعلم". اهـ
"تفسير القرآن العظيم"، (6/ 110، 111).
¥