وقوله تعالى: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)
فالضمير في: "لها" يحتمل الرجوع إلى: جهنم، ويحتمل الرجوع أيضا إلى خزنتها فوقع الاشتراك من هذا الوجه، ولا مانع من حمل المشترك على كلا المعنيين في هذا السياق لعدم التعارض.
يقول القرطبي رحمه الله:
"قيل: المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم.
وقيل: المعنى إذا رأتهم خزانها سمعوا لهم تغيظا وزفيرا حرصا على عذابهم. والأول أصح"
"الجامع لأحكام القرآن"، (13/ 8)
وقوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)
فالضمير المستكن في: "ليكون" إما أن يرجع إلى:
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الأقرب، لأن فيه رجوع الضمير على أقرب مذكور: "عبده".
أو: إلى "الفرقان".
ولا مانع من الجمع بينهما إذ لا تعارض، فالفرقان الذي نزل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نذير للعالمين، فالوحي في نفسه نذير، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نذير بمعنى: منذر بالوحي، مصداق قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ)
يقول القرطبي رحمه الله:
" (على عبده) يريد محمدا صلى الله عليه وسلم.
(ليكون للعالمين نذيرا) اسم "يكون" مضمر يعود على "عبده" وهو أولى لأنه أقرب إليه.
ويجوز أن يكون يعود على: (الفرقان) ". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (13/ 4).
ومنه قوله تعالى: (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
والضمير في: "يعرفونه": عائد على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ففيه على أحد الأقوال الإضمار قبل الذكر للإشعار بفخامة شأنِه عليه الصلاة والسلام، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، ويزيد ذلك المعنى رسوخا: الالتفات إلى الغيبة في: "يعرفونه" فكان الخطاب في الآية السابقة موجها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومقتضى ذلك أن يكون السياق: يعرفونك ليطرد الخطاب، ولكنه التفت عنه إلى الغيبة.
وقيل مرجع الضمير إلى العلم أو سببِه الذي هو الوحيُ أو القرآنُ أو التحويل عن بيت المقدس إلى البيت الحرام، فتكون المسألة من باب الاشتراك الراجع إلى تعدد الأقوال في مرجع الضمير، وقد يقال هنا، أيضا، بجواز حمل المشترك على كل معانيه، إذ لا تعارض بينها، فكلها تصلح مرجعا للضمير دون فساد في المعنى.
وقوله تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا).
يقول ابن كثير رحمه الله:
" قال ابن جرير: وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى: والنهار إذا جلا الظلمة، لدلالة الكلام عليها.
قلت، (أي: الحافظ ابن كثير رحمه الله): ولو أن هذا القائل تأول ذلك بمعنى {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} أي: البسيطة، لكان أولى، ولصح تأويله في قول الله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} فكان أجود وأقوى، والله أعلم. ولهذا قال مجاهد: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} إنه كقوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2].
وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس، لجريان ذكرها". اهـ
ويقول رحمه الله في موضع تال:
"وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه، أي: بطاعة الله - كما قال قتادة - وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل. ويُروَى نحوه عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وكقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15].
{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} أي: دسسها، أي: أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل.
وقد يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس". اهـ
¥