ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 08:24 ص]ـ
ومن أسباب الاختلاف أيضا:
التعبير بألفاظ متقاربة أو مترادفة، عند من يقول بوقوع الترادف بين لفظين من كل وجه:
وقد حقق بعض أهل العلم هذه المسألة فأثبت التقارب بين المعنيين ونفى الترادف من كل وجه إذ لا بد لكل لفظ منهما من معنى يستقل به، وإن دق، كـ:
الريب والشك، فإنهما يتقاربان من جهة: وقوع الشك في كليهما، ولكن الريب يمتاز بوقوع الاضطراب والحركة فيه، فهو شك وزيادة.
وكذلك تفسير "المور" بالحركة، إذ فيه نوع تجوز، لأن المور حركة فيها سرعة وخفة، فصار المور حركة وزيادة أو حركة مقيدة بالسرعة والخفة.
قال ابن تيمية رحمه الله:
"الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقل أن يعبر عن لفظ واحد يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقريب لمعناه وهذا من أسباب إعجاز القرآن فإذا قال القائل: {يوم تمور السماء مورا}: إن المور هو الحركة كان تقريبا إذ المور حركة خفيفة سريعة، (فليس مجرد الحركة وإنما هي حركة مقيدة بالخفة والسرعة وهذا معنى زائد ينفي ترادف لفظي "الحركة" و "المور"، إذ استقل أحدهما بمعنى لا يوجد في الآخر)، وكذلك إذا قال الوحي: الإعلام أو قيل: (أوحينا إليك): أنزلنا إليك، أو قيل: {وقضينا إلى بني إسرائيل} أي أعلمنا وأمثال ذلك، فهذا كله تقريب لا تحقيق فإن الوحي هو إعلام سريع خفي والقضاء إليهم أخص من الإعلام فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم". اهـ
بتصرف من "مقدمة ابن تيمية في التفسير"، ص36.
ويقول في موضع تال: "ومن قال: لا ريب: لا شك، فهذا تقريب وإلا فالريب فيه اضطرب وحركة كما قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وفي الحديث: أنه مر بظبي حاقف فقال: لا يريبه أحد فكما أن اليقين ضمن السكون والطمأنينة فالريب ضده ضمن الاضطراب والحركة ولفظ الشك وإن قيل إنه يستلزم هذا المعنى لكن لفظه لا يدل عليه". اهـ
بتصرف من "شرح: مقدمة ابن تيمية في التفسير"، ص38.
ومن ذلك لفظ: "الإبسال" الذي اشتق منه الفعل: "تبسل" في قوله تعالى: (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ)، فإنه يفيد بأصل وضعه: مطلق "المنع" كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، في تفسيره، وقد ورد في تفسيره أنه بمعنى: تحبس، أو: ترتهن، ومعنى المنع الكلي مشترك بينهما، فهما متواطآن، وإن زاد الرهن على الحبس معنى الارتهان، فكل مرهون محبوس، ولا عكس، فالرهن أخص من الحبس، فهو حبس وزيادة، فبينهما: عموم وخصوص مطلق.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "مقدمة أصول التفسير":
"فإذا قال أحدهم: {أَن تُبْسَلَ}: أي تحبس، وقال الآخر: ترتهن، ونحو ذلك، لم يكن من اختلاف التضاد، وإن كان المحبوس قد يكون مرتهنًا وقد لا يكون، إذ هذا تقريب للمعنى كما تقدم، وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جدًا، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين". اهـ
فإن كل عبارة تؤدي جزءا من المعنى الكلي، فبجمعها تكتمل صورة المعنى، كما تكتمل صورة الاستدلال بجمع أدلة الباب الواحد، فلا يقبل البعض ويرد البعض الآخر تشهيا، وإنما ينظر فيها جميعا نظرة الافتقار إلى الدليل، لا الاستغناء عنه بمقالة سابقة، فنظرة طالب الحق: نظرة احتجاج للتأصيل، لا استشهاد للتأييد.
ومنه أيضا:
نيابة الحروف عن بعضها عند من يقول بجواز ذلك، كما في قوله تعالى: (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)، فـ: "إلى" بمعنى: "مع"، فهما مترادفان في هذا الموضع عند من يقول بالترادف، متقاربان، وإن استقل كل منهما بمعنى ليس في الآخر، عند من ينفي الترادف، والبصريون يأبون ذلك، فينكرون نيابة الحروف عن بعضها مطلقا ويخرجون هذه الصورة على: "التضمين" في الفعل لا في الحرف، فيكون السؤال هنا بمعنى: "الضم" و "الجمع".
يقول ابن تيمية رحمه الله:
¥