"والعرب تُضَمِّنُ الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض، كما يقولون في قوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص: 24] أي: مع نعاجه و {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] أي: مع اللّه ونحو ذلك. والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين، فسؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها إلى نعاجه، وكذلك قوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 73] ضمن معنى يزيغونك ويصدونك، وكذلك قوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأنبياء: 77]، ضمن معنى نجيناه وخلصناه، وكذلك قوله: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] ضمن يروى بها، ونظائره كثيرة". اهـ
ومن الترادف النسبي: الترادف في الأسماء الدالة على مسمى واحد لجواز قيام أكثر من معنى به كما في:
قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، فالقرآن: من القرء وهو الجمع، فحروفه مجموعة نطقا، والإشارة إليه باسم الإشارة "هذا" وهو للقريب صحيح من جهة قرب معاني القرآن إلى أذهان السامعين، فيسهل عليهم تدبره، كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
وقوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، فالكتاب: من الكتب وهو الجمع، أيضا، فحروفه مجموعة خطا، والإشارة إليه باسم الإشارة "ذلك" للبعيد صحيح من جهة علو منزلته.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
" وكذلك إذا قيل: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}: هذا القرآن، فهذا تقريب؛ لأن المشار إليه وإن كان واحدًا، فالإشارة بجهة الحضور غير الإشارة بجهة البعد والغيبة، ولفظ الكتاب يتضمن من كونه مكتوبًا مضمونًا ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءًا مظهرًا باديًا. فهذه الفروق موجودة في القرآن". اهـ
وهذا النوع راجع عند التحقيق إلى التكافؤ اللفظي: إذ الترادف والتباين متحقق فيه، فالترادف من جهة الاسم، والتباين من جهة الوصف، وإن كان الوصفان عند التأمل يدلان على معنى كلي واحد اشتقا منه وهو: مطلق الجمع.
ومنه أيضا تسمية التنزيل بـ:
"القرآن": باعتبار كونه مقروءا يتلى باللسان.
و "الكتاب": باعتبار كونه مكتوبا يخط بالبنان.
وجمع هذه العبارات غير المتعارضة مما يزيد المعنى قوة وبهاء.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جدًا، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين". اهـ
"مقدمة في أصول التفسير"، ص39.
فالمعنى قد يكون مركبا بحيث تتوزع أجزاؤه على عبارات السلف، فيؤدي كل منها وجها من المعنى لا يؤديه الآخر.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 02 - 2009, 09:16 ص]ـ
وينقسم الخلاف في التفسير إجمالا إلى:
أولا: الخلاف الواقع في التفسير من جهة الرواية:وغالبا ما يقع فيما لا تمس الحاجة إلى معرفته، كتفاصيل القصص القرآني التي أخذها المسلمون عن أهل الكتاب، فإن ما تمس الحاجة إلى معرفته قد أقام الله، عز وجل، عليه الدليل البين، فضلا منه ومنة، وإن خفي على بعض المكلفين فإنه لا يخفى على عمومهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل عليهم السلام، فالحجة الرسالية قائمة بأبلغ عبارة وأوفى بيان.
والنقل في التفسير عموما ينقسم إلى:
ما يمكن معرفة درجته.
و: ما لا يمكن معرفة درجته، كالإسرائيليات التي سكت عنها شرعنا، فلم يشهد لها باعتبار أو إلغاء، فإنه يجوز التحديث بها دون الجزم بصحتها أو ضعفها، عملا بحديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ)، وهذا لفظ أبي داود، رحمه الله، في سننه.
ونقل الصحابة، رضي الله عنهم، ما لا يقال بالرأي إن لم يرفعوه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولى بالقبول من نقل التابعين، لأن نقلهم عن أهل الكتاب، أقل من نقل التابعين.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
¥