فمعظمها مراسيل، ولذلك أثر عن أحمد، رحمه الله، قوله: "ثلاثة ليس لها أصل: التفسير، والملاحم، والمغازي"، أي: ليس لها إسناد تقوم به الحجة، فالغالب عليها الإرسال، كما تقدم، وإنما تساهل أهل العلم في قبولها ما لم يتساهلوا في العقائد ومسائل الحلال والحرام، لكون معظمها مما لا ينبني عليه عمل فالغالب عليها الخبر لا الإنشاء.
ومن مسائل هذا النوع:
تعسر إثبات ألفاظ كثير من روايات التفسير والمعازي والملاحم، فيكفي في الجزم بصحتها: ورودها من جهات مختلفة مع انتفاء احتمال المواطأة، فيثبت بذلك معناها الكلي وإن اختلفت دقائقها.
والناس في قبول الأحاديث وردها طرفان ووسط:
طرف بالغ في رد الأحاديث: وإن كانت صحيحة مقطوعا بها عند أهل العلم، باحتمالات عقلية، لو فتح الباب لها لردت بها السنة كلها، فالتجويز العقلي لا حد له، وهذا حال أغلب المتكلمين ممن ردوا كثيرا من السنة في باب الأخبار بدعوى أنها: أخبار آحاد لا تفيد اليقين!!!.
وطرف بالغ في قبول الأحاديث: فمتى وجد حديثا ظاهر إسناده الصحة قبله دون الرجوع إلى أقوال أئمة هذا الفن، وهذا غالب على المتعبدة الذين جفوا في طلب العلم، فضلا عن متأخري الفقهاء الذين غلب عليهم التقليد فاستدلوا بأحاديث ضعيفة بل موضوعة أحيانا لفروعهم مذهبهم الفقهية.
ووسط هو: أهل الحديث والأثر: أصحاب الطريقة المثلى في نقد الأخبار والحكم عليها قبولا أو ردا، فهم أمثل الناس في باب تحرير الأدلة: صحة واستدلالا. فأدلتهم أصح أدلة، واستدلال المحققين منهم أصح استدلال.
وقد يحتف بالحديث مع ضعف إسناده: من القرائن ما ترتقي به إلى مرتبة الاحتجاج إن كان ضعفه محتملا.
وعلى العكس: قد يحتف بحديث ظاهر إسناده الصحة: من القرائن ما يقطع ببطلانه.
ولا يستقل بإدراك هذه القرائن إلا أئمة الحديث وجهابذته.
ولذلك غلب على كثير المفسرين، ممن ليسوا من أهل الأثر، إيراد الضعيف والمنكر والموضوع، سواء أبرزوا إسناده، فيكون العذر في حقهم آكد ممن جمع ما وقعت يده عليه من روايات دون تمحيص فضمنها تفسيره، ولذلك كانت هذه الكتب، مع جودة مادتها العلمية في فنون أخرى، مصدر أساسيا لأهل البدع في تأييد بدعهم العلمية أو العملية بروايات منكرة ذكرها أولئك المفسرون في كتبهم، بلا أسانيد أصلا، أو بأسانيد لا تقوم بها حجة، لاسيما في الفضائل التي يتساهل فيها أصحاب الأصول الذين تصدوا لجمع السنة، مع كونهم ممن يعنى بنقد المرويات، فما الظن بتساهل من ليس من أهل هذا الشأن أصلا؟!!.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله:
"وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة، مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل سور القرآن سورة سورة، فإنه موضوع باتفاق أهل العلم.
والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين، وكان حاطب ليل، ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع، والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن السلامة واتباع السلف، والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة.
والموضوعات في كتب التفسير كثيرة، مثل الأحاديث الكثيرة الصريحة في الجهر بالبسملة، وحديث علي الطويل في تصدقه بخاتمه في الصلاة، فإنه موضوع باتفاق أهل العلم،ومثل ما روى في قوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] أنه علي {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] أذنك يا علي". اهـ
"شرح مقدمة أصول التفسير"، ص57، 58.
ولم يكذب على أحد مثلما كذب على علي وآل بيته، رضي الله عنهم، وفيما ثبت لهم من فضائل غنية عما انتحل لهم من فضائل هي إلى المثالب أقرب، إذ وضعها قوم جهال لا يحسنون حتى المدح، بل لا يحسنون الكذب الذي احترفوه!!!.
فمن أبرز معالم الانحراف في هذا الباب:
رواية ما يقطع ببطلانه من جهة:الغلو: كأحاديث فضائل الأعمال التي فيها النص على ثواب عظيم على عمل صغير.
¥