تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والإجمال في مقام البيان: إلغاز وعي من القول يتنزه عنه آحاد المكلفين، فكيف بالرب، جل وعلا، والحاجة إلى البيان في موضع كهذا ماسة فلا يجوز تأخيرها، والإشارة إليه بلفظ مجمل كهذا، تأخير له، فلم يحصل به علم قطعي، بل إن الدلالة السياقية تأباه، فالآية جاءت في سياق التحذير من موالاة غير المسلمين، ثم جاء النص على من يستحق ذلك، فولاية المؤمن: بفتح الواو، لا تكون إلا لله ورسول والمؤمنين الذين يتصفون بإقامة شعائر الدين من صلاة وزكاة مع خضوعهم وانقيادهم ظاهرا وباطنا لله رب العالمين، وعطف "الذين آمنوا" على "الله" و "رسوله": قرينة سياقية أخرى تقطع بعدم صحة هذا التأويل المتكلف إذ الله، عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليسا: إمامين معصومين.

وكذلك: ما قيل في سبب نزولها في علي، رضي الله عنه، ضعيف، ولو صح لم يمنع دخول غيره معه من عامة أهل الإيمان ممن أقام الشعائر وانقاد لرب العالمين، فتخصيصه بهذا المعنى دون غيره: تخصيص بلا مخصص، فهو محض تحكم، ولو سلمنا بصحته، فالقصر في صدر الآية يمنع دخول غير الثلاثة: "الله" و "رسوله" و "علي" فتبطل إمامة من جاء بعده ممن يعتقد أصحاب هذه المقالة إمامتهم وعصمتهم.

ويكفي لبطلان هذه التأويلات أنها لم تؤثر عن أحد من السلف، أهل القرون الفاضلة المرضية. وهذا أصل مطرد في رد كل قول محدث في الدين.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في كلمة جامعة في ذلك الشأن:

"وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه. فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب. ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث اللّه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعًا. ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية". اهـ

والثاني: قوم أخطأوا في الاستدلال لا المدلول، فالمعنى الذي ذهبوا إليه صحيح، ولكن الدليل الذي استدلوا به على صحته لا يدل على ذلك إلا على وجه بعيد فيه من التكلف ما فيه، كغالب استدلالات الصوفية والزهاد، يقول شيخ الإسلام رحمه الله:

"وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول فمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء وغيرهم، يفسرون القرآن بمعان صحيحة، لكن القرآن لا يدل عليها، مثل كثير مما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي في حقائق التفسير، وإن كان فيما ذكروه ما هو معان باطلة، فإن ذلك يدخل في القسم الأول، وهو الخطأ في الدليل والمدلول جميعًا، حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسدًا". اهـ

شرح "مقدمة في أصول التفسير"، ص77.

ومن أمثلة ذلك:

تفسير من فسر النهر في قصة "طالوت" بالدنيا، فالمعنى صحيح، ولكن الاستدلال غير صحيح إذ فيه صرف لظاهر اللفظ عن معناه الأصلي إلى معنى آخر لا يدل عليه بلا قرينة معتبرة، وهذا عين التأويل المذموم الذي اعتمده المتكلمون في باب الصفات الإلهية، فصرفوا ظواهر النصوص بقرائن عقلية في باب خبري محض لا عمل للعقل فيه أصلا إلا الانقياد والتسليم لخبر الوحي المعصوم.

ومنه:

تفسير قوله تعالى: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، بتذليلها بالطاعات وكفها عن الشهوات.

يقول القرطبي رحمه الله:

"قال أرباب الخواطر: ذللوها بالطاعات وكفوها عن الشهوات. والصحيح أنه قتل على الحقيقة هنا"

"الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 385).

ومنه تفسير البعث بـ: "العلم"، و الموت بـ: "العلم" في قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

فالعلم حياة الأرواح، وفي التنزيل: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

يقول الشوكاني رحمه الله:

"ومعناه: القرآن، لأنه يهتدى به، ففيه حياة من موت الكفر". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير