والجهل موت، ولكن السياق يجعل هذا المعنى الإشاري اللطيف غير وارد وإن كان صحيحا في نفسه.
ومثله قول القرطبي، رحمه الله، في تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا):
"وقال من صرف هذه الآية عن ظاهرها من أهل المعاني: لا يليق بمن أضافهم الرحمن إليه إضافة الاختصاص، وذكرهم ووصفهم من صفات المعرفة والتشريف وقوع هذه الأمور القبيحة منهم حتى يمدحوا بنفيها عنهم لأنهم أعلى وأشرف، فقال: معناها لا يدعون الهوى إلها، ولا يذلون أنفسهم بالمعاصي فيكون قتلا لها.
ومعنى "إلا بالحق": أي إلا بسكين الصبر وسيف المجاهدة فلا ينظرون إلى نساء ليست لهم بمحرم بشهوة فيكون سفاحا، بل بالضرورة فيكون كالنكاح.
قال شيخنا أبو العباس: وهذا كلام رائق غير أنه عند السبر مائق. وهى نبعة باطنية ونزعة باطلية وإنما صح تشريف عباد الله باختصاص الإضافة بعد أن تحلوا بتلك الصفات الحميدة وتخلوا عن نقائض ذلك من الأوصاف الذميمة، فبدأ في صدر هذه الآيات بصفات التحلي تشريفا لهم، ثم أعقبها بصفات التخلي تقعيدا لها، والله أعلم". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (13/ 64).
ومنه أيضا:
قول الزمخشري، غفر الله له، في تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى): "ومن بدع التفاسير: أنه من قولهم: «درّة يتيمة» وأن المعنى: ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فآواك". اهـ
ثانيا: تفسير القرآن بمجرد اللغة دون الرجوع إلى القرائن المحتفة من دلالة سياقية وأسباب نزول ............. إلخ.
كما فسر عروة، رحمه الله، نفي الجناح في آية الصفا والمروة، بمجرد اللغة دون رجوع إلى سبب نزولها حتى أوقفته عائشة، رضي الله عنها، عليه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 08:44 ص]ـ
وأما طرق تفسير القرآن المعتمدة فأبرزها:
أولا: تفسير القرآن بالقرآن: وهو أصحها، إذ كلام الله، عز وجل، يفسر بعضه بعضا تفسيرا لا يتطرق إليه احتمال الخطأ، إذ المتكلم أعلم الناس بمراده، ولله المثل الأعلى، فإن ما أجمل في موضع بين في آخر، كما في:
قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، فالكلمات مجملة، وبيانها في قوله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
وما ورد عاما ظنيا في موضع، خص في موضع آخر، كما في قوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ)، فعموم: "المشركات" المحلى بـ: "أل" الموصولة التي تدل على تعلق الحكم بعموم الوصف الذي اشتقت منه صلتها: وهو وصف: "الشرك"، وهو وصف يصدق في حق الكتابيات فهن مشركات، هذا العموم الظني قد خص بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، خلافا لما أثر عن ابن عمر، رضي الله عنه، من تحريم نكاح الكتابيات. وبعض أهل العلم يجريها مجرى النسخ الجزئي لصورة المخصوص من العام، والخلاف، عند التحقيق، لفظي، لأن مؤدى القولين واحد، لا سيما عند المتقدمين الذين يسوون بين التخصيص والنسخ، فيطلقون النسخ على كل صور البيان من: تخصيص وتقييد ......... إلخ.
وما ورد مطلقا في موضع قيد في موضع آخر، كما في:
قوله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فالدم في الآية مطلق قيد بوصف "السفح" في قوله تعالى:
¥