(قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). فلا يحرم إلا الدم المسفوح بخلاف الدم المتبقي في العروق فإنه مما يعفى عنه رفعا للحرج والمشقة بتتبعه في العروق.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِلَ في مكان فإنه قد فُسِّرَ في موضع آخر، وما اخْتُصِر من مكان فقد بُسِطَ في موضع آخر". اهـ
ومن أبرز من نهج هذا النهج في التصنيف الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، في تفسيره: "أضواء البيان".
ولعل نظرة في تفسير أول آية من الكتاب العزيز في "أضواء البيان" تفصح عن منهج المصنف، رحمه الله، في استقراء آي التنزيل: استقراء متدبر قد أحكم أصول العلم، إذ يقول فيها:
"قوله تعالى: {الْحَمْدُ للهِ}.
لم يذكر لحمده هنا ظرفاً مكانياً ولا زمانياً. وذكر في سورة الروم أن من ظروفه المكانية: السماوات والأرض في قوله: {وَلَهُ الحمد فِي السماوات والأرض} [الروم: 18] الآية - وذكر في سورة القصص أن من ظروفه الزمانية: الدنيا والآخرة في قوله: {وَهُوَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الحمد فِي الأولى والآخرة} [القصص: 70] الآية - وقال في أول سورة سبأ {وَلَهُ الحمد فِي الآخرة وَهُوَ الحكيم الخبير} [سبأ: 1] .............
وقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
لم يبين هنا ما العالمون، وبين ذلك في موضع آخر بقوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ} [الشعراء: 23 - 24] الآية". اهـ
&&&&&
ثانيا: تفسير القرآن بالسنة:فالسنة هي الشارحة للكتاب العزيز، فهي الذكر الذي أنزل لبيان آي التنزيل مصداق قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وقد اختار بعض أهل العلم، كـ: ابن كثير والشنقيطي، رحمهما الله، أن الذكر في هذه الآية هو القرآن، وهذا القول لا يعارض القول الأول من جهة أن المبلغ عن الرب جل وعلا هو أعلم الناس بمراده، فالبيان حاصل من جهته، ومرجع البيان عند التحقيق هو: الكتاب المنزل، إذ هو الدال على حجية السنة، كما قرر الأصوليون، فضلا عن أن فهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما هو وحي: تحقيقا أو تقريرا، فلا يقر على خلاف الأولى، كما في حادثة فداء أسرى بدر.
فمرجع تفسيره، وتفسير القرآن بالقرآن واحد، فكلاهما من مشكاة الوحي المعصوم فصار ذكرا كالذكر المنزل من هذا الوجه، فهو مثله في الاحتجاج، وإن كان يليه في الفضل فلا يتعبد بتلاوته ولا تنعقد به صلاة ............ إلخ من أوجه الاختلاف بين القرآن والسنة.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال اللّه تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105]، وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، وقال تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64]، ولهذا قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" يعني السنة.
¥