والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، لا أنها تتلى كما يتلى، وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة .......... والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "بم تحكم؟ " قال: بكتاب اللّه. قال: "فإن لم تجد؟ " قال: بسنة رسول اللّه. قال: "فإن لم تجد؟ " قال: أجتهد رأيي. قال: فضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسولَ رَسُولِ اللّه لما يرضى رسولَ اللّه"، وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد". اهـ بتصرف
وبيان السنة للقرآن:
بيان زيادة: فتستقل السنة بإنشاء أحكام مكملة لأحكام الكتاب العزيز، كما في حديث: (لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا)، فهو مكمل لجملة المحرمات المذكورة في آية المحرمات، وهو مخصص من جهة أخرى، لما جاء بعدها من إباحة حل ما عداها، في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)، فـ: "ما" نص في عموم أوصاف المنكوحات سوى المذكورات لا أعيانهن، كما في قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، فعموم "ما" هنا أيضا: عموم أوصاف لا أعيان. وهو مخصوص بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها.
وكما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ)، فهو مكمل لجملة المحرمات المذكورة في آية المائدة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)
وبيان تخصيص: كما في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، مرفوعا: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ)، فهو مخصص لعموم قوله تعالى: (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، خلافا للأحناف، رحمهم الله، الذين قالوا بوجوب الصدقة في كل ما تخرج الأرض أيا كان نوعه أو مقداره، إلا أصنافا استثنوها على تفصيل ليس هذا موضعه.
وبيان تقييد: كتقييد اليد المطلقة في قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)، بالبيان النبوي إذ تقطع من مفصل الكف، وقال بعض أهل العلم: اليد إذا أطلقت في الكتاب العزيز فإنها تعني ابتداء الكف، فلا يكون فيها إجمال يحتاج إلى بيان السنة، فهي مبينة ابتداء.
وقوله تعالى: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (النساء:11).
فقد جاء تقييد ذلك بالثلث كما، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: الثلث، والثلث كبير، أو كثير.
قال ابن حجر، رحمه الله، في "الفتح": "وَفِيهِ تَقْيِيد مُطْلَق الْقُرْآن بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانه وَتَعَالَى: (مِنْ بَعْد وَصِيَّة يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن) فَأَطْلَقَ، وَقَيَّدَتْ السُّنَّة الْوَصِيَّة بِالثُّلُثِ". اهـ
وفي هذا الرابط مزيد بيان لهذه المسألة الجليلة:
http://www.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=1919&Itemid=34
&&&&&
ثالثا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم:
فهم أعلم الناس بالوحي: مبنى ومعنى، فبلسانهم ورد، وعليهم نزل، فأفادهم ذلك من عقل المعنى ما لم يستفده من جاء بعدهم، فهم أدنى منهم رتبة في الفصاحة والفهم، ولذلك كانت روايتهم الحديث بالمعنى أولى بالقبول من رواية من جاء بعدهم، وخلاف الصحابة، رضي الله عنهم، أقل من خلاف من جاء بعدهم، فلم يختلف رجال الصدر الأول، ولله الحمد والمنة، في مسألة واحدة من مسائل أصول الدين، وإنما اختلفوا في فروع من العلم والعمل يسوغ الخلاف فيها، بخلاف من جاء بعدهم، فإن من خلافهم ما لا يسوغ، بل ينكر على المخالف فيه، وقد يبدع ويفسق، بل وقد يكفر.
¥